[ مواقف كاشفة للزهراء (ع)] - 2
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم والعن من عاداهم
{إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}(1)
ذكرت في الحلقة الأول الموقف الكاشف للسيدة الزهراء (ع) من ابي بكر وعمر وقلت أن كل كلمة كانت تتفوه بها لها معناها ودلالاتها وهذا من طبيعة كلام المعصوم وسأتوقف في هذه الحلقة مع مقطع من وصية الزهراء لعلي (ع) فيه دلالات كاشفة وصريحة
روى إبن عباس وصية مكتوبة للزهراء (ع) جاء فيها :
" هذا ما اوصت به فاطمة بنت رسول الله (ص) ..... يا علي أنا فاطمة بنت محمد زوجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة أنت أولى بي من غيري حنطني وغسّلني وكفني بالليل وصلِّ عليّ وأدفني بالليل ولا تُعلم أحداً وأستودعك الله ...." (2)
وفي رواية أخرى " ثم إني اوصيك في نفسي وهي أحب الأنفس إلي بعد رسول الله (ص) إذا أنا متّ فغسلني بيدك وحنطني وكفني وادفني ليلاً ولا يشهدني فلان وفلان ولا زيادة عندك في وصيتي إليك واستودعتك الله ...." (3)
هذه بعض وصايا الزهراء (ع) ويتجلى فيها بوضوح مدى تألمها من الأمة بشكل عام وممن ظلمها وإنقلب على عقبيه بعد وفاة ابيها (ص)
في هذه النصوص أولاً تأكيد على عصمتها فهي أوصت أمير المؤمنين (ع) أن يتولى غسلها وتكفينها وهذه إشارة إلى أن الصديقة لا يُغسلها إلا صدّيق والمعصوم هو فقط من يتولى تغسيل المعصوم لا حظوا دقة عبارتها (ع) [ أنت أولى بي من غيري ..]
وثانياً لا حظوا عبارة [ زوجني الله منك ] وهذا مطابق للروايات الواردة عن النبي (ص) [: ما انا زوجت علياً ولكن الله زوجه] فضلاً عن تأكيدها أنه لا كفؤ لها سوى أمير المؤمنين (ع) [ لأكون لك ..]
ثالثاً وهو الأهم أنها (ع) أردت أن تسجل موقف فاضح للظالمين يترك علامات إستفهام عديدة تتناقلها الأجيال لتكشف من خلالها الحقائق وترشد الضالين إلى الصراط المستقيم فالزهراء المعصومة (ع) هادية للأمة في حياتها ومماتها
لماذا أوصت أن تُدفن ليلاً ؟
لماذا أوصت ان لا يحضر جنازتها أحد وفق النص الأول وفلان وفلان وفق النص الثاني ؟
لماذا اوصت ان لا يُصلي عليها أحد منهم ابدا إلا أهل بيتها والخواص الخواص ؟
على أقل التقادير وأبسطها تريد التأكيد أن موقفها من هؤلاء هو هو لم يتغير هي رحلت إلى جوار ربها وهي غاضبة عليهم وستشكوهم عند الله وعند ابيها
رفضت إستقبالهم خلال مرضها وأدارت وجهها عنهم وإحتجت عليهم بحديث رسول الله (ص) وبعد واصلت تعريتهم وفضحهم رفضت أن يحضروا جنازتها وأن يشاركوا بالصلاة عليها وفي هذا إشارة أخرى فضلاً عن إظهار غضبها الذي هو غضب الله ورسوله
" فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني" (4)
" إن الله يغضب لغضب فاطمة " (5)
فاطمة بضعة مني يؤذيني ما أذاها (6)
هي تأكيد منها (ع) لعدم الإعتراف بشرعية إمامة وخلافة ابي بكر
وهناك نص خطير نقله صاحب موسوعة المصطفى والعترة عن روضة الواعظين وهو يذكر وصية الزهراء لعلي (ع) جاء فيه :
" ثم قالت : أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذي ظلموني فإنهم عدوي وعدو رسول الله (ص) ولا تترك أن يصلي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم ...} (7)
وبمعزل عن التدقيق في صحة هذا النص أقول أن المتدبّر في النصوص السابقة سيخرج بنفس النتيجة كل ما في الأمر أن هذا النص سمى الأشياء باسمائها [ عدوي وعدو رسول الله ] والنصين السابقين المحا إليها وما مرّ معنا في الحلقة الأولى يدل عليها
وبكل صراحة ووضوح ما مرّ معنا من كلام للسيدة الزهراء لم أفهم منه سوى هذا ومن عنده تفسير آخر فليتفضل به علينا
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }(8)