الأربعاء، 4 أبريل 2012

مواقف كاشفة للزهراء (ع) 1




[ مواقف كاشفة للزهراء (ع)] - 1


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

ذكر إبن قتيبة :" إنّ عمر قال لأبي بكر : إنطلق بنا إلى فاطمة (ع) فإنّا قد أغضبناها فإنطلقا جميعاً فإستأذنا على فاطمة (ع) فلم تأذن لهما فأتيا علياً (ع) فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام فتكلم أبو بكر فقال :
يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إليّ من قرابتي وإنك لأحب إلي من عائشة إبنتي ولوددت يوم مات أبوك أني متّ ولا أبقى بعده أفتراني أعرفك وأعرفك فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ؟ إلا أني سمعت أباك رسول الله (ص) يقول :" لا نورّث ما تركناه فهو صدقة "
فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (ص) تعرفانه وتفعلان به ؟
فقالا : نعم
فقالت : نشدتكما بالله ألم تسمعا رسول الله (ص) يقول :" رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب إبنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد ارضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟
قالا : نعم وسمعناه من رسول الله (ص)
قالت : فإني اُشهدُ الله وملائكته أنكما اسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (ص) لأشكونكما إليه
فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه ومن سخطك يا فاطمة
ثم إنتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه تزهق
وهي (فاطمة ) تقول : والله لأدعونّ عليكما في كل صلاة أصليها
ثم خرج باكياً فإجتمع الناس إليه فقال لهم : يبيت كل رجل معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي (1)
نحن هنا أمام نص ثري وفيه من الإشارات الكثير سأعمل على تشريح هذا الحديث في محاولة للإضاءة على بعض هذه الإشارات
اول ما يستوقفنا هو قول عمر لأبي بكر (إنطلق بنا إلى فاطمة (ع) فإنّا قد أغضبناها)
ففي هذه العبارة إعتراف صريح من عمر بأنه قد أغضب فاطمة بنت محمد (ص) وهذا خلاف ما أوصى به النبي (ص) بنص كتاب الله
{..قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..} (2)
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً }(3)
وإعتراف عمر هنا هو مخالفة صريحة لكتاب الله وما يترتب عليها من خلال الآية الثانية هو الإبتعاد عن سبيل الله
الملاحظة الثانية هي ان عمر من أشار على ابي بكر بالذهاب إلى فاطمة وهذه الملاحظة احتفظوا بها سنعود إليها لا حقاً
ثاني الأمور التي تستوقفنا هو رفض فاطمة (ع) إستقبالهما ولولا توسط أمير المؤمنين (ع) لأصرت على رفضها من هنا فصاعداً علينا التدقيق في تصرفات فاطمة (ع) بدقة فهي معصومة بنص كتاب الله وليس هاهنا مكان إثبات عصمتها وانا بكل الأحوال أتوجه في بحثي هذا للموالين بشكل خاص الذين يعتقدون بعصمتها (ع)
ثالثاً : بعد دخولهم حولت وجهها للحائط والإشارة الأهم والتي تحتاج تأمل أنها لم ترد عليهما السلام وكلنا يعلم أن رد السلام على المسلم واجب ولكن فاطمة (ع) المعصومة التي اذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا لم ترد السلام إن تصرفها هنا لم أجد له تفسير إلا شيئاً واحد فقط هو أنها تعريهما تماماً من أي شرعية ومن عنده تفسير غير هذا فليأتني به
بكل الأحوال ردة فعل أبو بكر كانت محاولة للتودد مع إضفاء شرعيةَ على سلبه حق فاطمة (ع) في فدك
هنا لاحظوا تصرف أم أبيها لم تدخل في حوار جديد مع أبي بكر حول فدك لإنها سابقاً إحتجت عليه وقدمت أدلتها ولكنها واصلت نزع الشرعية بشكل تام عنهما فاشهدتهما على حديث لرسول الله (ص) فوافقها عليه هنا إنطلقت بعبارتها الحاسمة (فإني اُشهدُ الله وملائكته أنكما اسخطتماني)
من هذه العبارة إلى قولها (ع) (والله لأدعونّ عليكما في كل صلاة أصليها)
المتأمل العاقل هل يجد بعد هذا عذراً للرجلين ؟ ونحن نقرأ كلام يصدر عن معصومة مع ملاحظة أن مصدر الرواية من مصادر أهل السنة ونحن لم ننقل رواية الشيخ الصدوق التي أوردها في كتاب علل الشرائع (4) وما فيها أعظم تأملوا من خرجت لمباهلة نصارى نجران سترفع يديها بالدعاء عليهما في كل صلاة تصليها
قد يسأل سائل ولكن أبو بكر أظهر ليونة وإنتحب حتى كادت روحه تزهق لابل وصل به الأمر ان يقول اقيلوني بيعتي (على حد تعبير إبن قتيبة )
والجواب على هذا اولاً هو بموقع الخليفة وبإمكانه إعادة الحق إلى أهله ولا يعتقدنّ أحد ان هذا الحق هو حق فاطمة وعلي (ع) كأشخاص ابداً من يقول هذا فإنه لا يفهم من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه الحق هو حق الأمة الإسلامية بأسرها لا بل حق البشرية وهذا له بحثه في مواضيع أخرى إن شاء الله
وهنا لا بأس من إستحضار ملاحظة أن ابي بكر لم يكن في وارد المجيء إلى الزهراء لولا إشارة عمر له بذلك
ولعل من افضل الأجوبة على السوأل أعلاه هو قول الجاحظ حين تعرض لذكر هذه الحادثة قال :
" فإن قالوا : كيف تظن به ظلمها والتعدي عليها وكلما إزدادت غلظة إزداد ليناً ؟
قيل لهم : ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من الجور وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان اريباً وللخصومة معتاداً أن يُظهر كلام المظلوم وذلة المنتصف ..." (5)
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }(6)
اللهم صلَّ على محمد وآل محمد
وعجل فرجهم وإلعن من عاداهم
كفعمي العاملي
24 ربيع الأول 1431 هـ
المصادر
(1) الإمامة والسياسة لإبن قتيبة ج1 ص 14
(2) الشورى آية 23
(3) الفرقان آية 57
(4) علل الشرائع ص 37 باب 149
(5) رسائل الجاحظ ص 300
(6) الكهف آية 29

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق