هل للحرّية قيمة ذاتية ؟

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }

فطر الله الإنسان على قابليات وغرائز متعددة منها غريزة الحرّية بحيث أنه لو خُليّ لهواه لفضل الحرّية المطلقة ولتفلت من أي قيد وضابطة مدفوعاً بهذه الغريزة الجموح وبالتأكيد فإن الإسلام قال كلمته في هذه الغريزة وأوضح مفهومها وسنأتي على ذكر هذا لاحقاً بعد الإشارة إلى مسألة مهمة وأساسية وهي عدم الوقوع في خلل منهجي يقع فيه الكثير عند بحث الأمور الإجتماعية بحيث يغفلون أن هذه الأمور لها إرتباط وثيق بنظرة الإنسان إلى الكون ووجوده فالإرتباط بين الحرية والإيمان بوجود خالق لهذا الكون أمر يكاد يكون بديهي ولا يحتاج إلى برهان لذلك نرى ان من تحدث عن الحرية بمعزل عن وجود سلطة إلهية تخبط أيما تخبط وأصبحت مسألة الحرية مجرد تبادل مصالح مع الآخرين وتنازل جبري أو نتيجة ضعف يسدّه او إحسان يمنّ به على الآخرين لنصل إلى حرّية  تكاد تكون مطلقة لولا بعض القيود التي تفرضها قيام الدول وإنتظامها ويستحيل بغياب الشعور بسلطة إلهية إلزام الإنسان بتحديد سقف معين لحريته قد يخضع للقوانين مرحلياً طالما هو ضعيف لكنه ما إن يستشعر القوة ويصبح قادراً حتى يتفلت من كل قيد وقانون

 اليس هذا ما هو سائد حالياً في عالمنا نتيجة إبتعاد الإنسان عن القانون الإلهي وركونه لقوانين وضعية يعمل على ترقيعها في كل مرحلة تاريخية ؟

ونطرح سوأل ونجيب عنه لاحقاً هل للحرية قيمة ذاتية ؟ 

إن الإسلام بحث مفهوم ومعنى الحرية وتكلم عنها منذ مئات السنين وقبل أن يتحفنا الغرب والمستغربين بنظرياتهم العقيمة

يقول عليّ عليه السلام :" أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة وإن الناس كلّهم أحرار "

ويقول:" لا تكوننّ عبد غيرك فقد جعلك الله حراً "

إذاً الأصل في الإسلام هو ان الإنسان ولد حراً ولا يجب عليه القبول بأي شكل من الأشكال التنازل عن هذه الحرية

وورد في الحديث الشريف : " إن الله فوض للإنسان كل شيء من أموره إلا أن يُذل نفسه "

ولكن السوأل الذي يُطرح هنا عن أي حرية نتكلم ؟ يجيب الإمام علي (ع) :

" إياك وكل عمل يُنفّرعنك حراً ويذّل لك قدراً ويجلب عليك شراً أو تحمل به يوم القيامة وزراً "

لقد رسم لنا الإمام عليّ (ع) هنا قاعدة عامة لمعنى الحرية تدخل في دائرتها كل حركتنا وخلاف هذه القاعدة ليس بحرية

ويوضح (ع) لنا المعنى  اكثر فيقول :

" من قام بشرائط الحرّية أهل للعتق ومن قصّر عن أحكام الحرية اُعيد للرق "

والعتق والإعادة هنا ترتبط سببياً بالقيام بالشرائط أو عدمها

ونغترف المزيد من معين الإمام عليّ (ع) لمعنى الحرّية

" الحرية منزهة من الغلّ والمكر "

وفي هذا إجابة عن سوألنا أعلاه هل للحرية قيمة ذاتية ؟

 والإجابة لا إنما تكتسب الحرية قيمتها إذا توفرت شروطها والإ تتحول تلقائياً إلى رق وإستعباد فبعض من يدّعي أنه حرّ في كل شيء هو واقعاً عبداً لكل شيء لشهواته ورغباته عبد للسلطة والمال عبد للسانه ولسائر أعضاء جسده ...الخ وهذا توضيح لقولنا أعلاه أن العتق والتحرر ترتبط سببياً أي أن الأعمال هي التي تجعل من الإنسان عبداً أو حراً فالحرية ليست شعارات تلوكها الألسن

إن الأمانة التي إئتمن الله عليها الإنسان هو ان جعله حراً مختاراً أي أعطاه حرية الإختيار وهي من نعم الله الكبرى وأيضاً من الفتن والإبتلاءات العظمى

لقد إختلف المفسرون في تفسير معنى الأمانة فقال البعض أنها العبادات وما شاكل من أوامر وقال آخرين أنها الخلافة في الأرض وتعددت التفاسير ووفق أي معنى سيكون لحرية الإختيار مدخلية فللإنسان خيار الطاعة أو المعصية

   {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }

أي إن الله وفر سبل الهداية وأوضح سبل الضلال ويبقى الإنسان هو المحور وله حرية الإختيار

وحياة الإنسان عملياً هي عبارة عن مجموعة خيارات صائبة أو خاطئة وعلى الدوام هناك مفترق طرق و إختيار ما

الخلاصة هي أن على الإنسان أن لايغفل ولا يضيع هذه الأمانة الإلهية وأن يقوم بشرائطها ليجعل منها قيمة على كافة الأصعدة فمن لا تستعبده نفسه وأهوائه لن يستطيع شيء في هذا العالم أن يستعبده لا حاكم ولا شهوة سلطة ولا مال ولا ... وهو الحُرّ الحقيقي

وكما يقال لقد كان يوسف حراً وهو قابع في غياهب السجن في حين كانت زليخا مستعبدة لأهواءها ورغباتها

وكان زين العابدين (ع) حراً وهو مكبل بالأصفاد وكان يزيد عبداً وهو نزيل القصور     

والحمد لله رب العالمين