هل فعلا شقّ جبرائيل صدر النبي (ص) لينزع منه" غل
الشيطان"؟!
تذكر بعض النصوص أن حادثا وقع للنبي (ص) خلال وجوده في حي بني سعد
عند حليمة السعدية، عرف بحادثة "شق الصدر". وخلاصة هذه الحادثة أن رسول
الله (ص) أتاه جبرائيل وهو يلعب مع صبيان في حي بني سعد، فأخذه وصرعه حتى أغمي
عليه فشق صدره واستخرج قلبه حيث استخرج منه علقة سوداء وقال :"هذا حظ الشيطان
منك" ثم غسله في وعاء من ذهب بماء زمزم ثم لئمه وأعاده إلى مكانه حيث كان
يلعب. فلما رأه الصبية الذين كانوا يلعبون معه ذهبوا إلى مرضعته حليمة السعدية
وقالوا لها إن محمدا قد قتل واستقبلوه وهو متغير اللون. ويذكر المؤرخون أن وقوع
هذه الحادثة للنبي (ص) كان هو السبب في إرجاعه من البادية إلى أمه وأنها قد تكررت
معه أربع مرات ثابتة. مرة في الثالثة من عمره الشريف عندما في البادية عند حليمة
ومرة أخرى في العاشرة من عمره ومرة ثالثة عندما بعث بالنبوة ومرة رابعة عند الإسراء
والمعراج.
ولكن من خلال التحقيق نجد أنه لا صحة لوقوع هذه الحادثة للنبي (ص) في
أي مرحلة من مراحل حياته وذلك إستناداً إلى الأدلة التالية:
أولاً : إن هناك اختلافا كبيرا في مضمون الروايات التي تنقل وقائع
حادثة "شق الصدر" من حيث المكان الذي جرت فيه الحادثة وعدد الأشخاص
الذين جاؤوا بالنبي (ص) وأجروا له هذه العملية ومن حيث الكيفية التي وقع عليها
الحادث. فإن هذا الاختلاف والتناقض في الروايات والنصوص بحد ذاته من الدواعي التي
تثير الشكوك في صحتها وخصوصا إذا نظرنا إلى أساليب تلك المرويات التي لا تنسجم مع
الضوابط التي لا بد من توافرها في النصوص المقبولة.
ثانيا: إنه ليس للشيطان أي طريق أو سلطان على عباد الله المؤمنين
والمخلصين والمتوكلين فضلا عن أن يكون له سلطان على النبي نفسه الذي هو في قمة
الإخلاص والتوكل والإيمان. وهذا واضح بصريح القرآن الكريم الذي يتحدث عن الشيطان
فيقول :"إن عبادي ليس لك عليهم سلطان". ويقول تعالى أيضا إنه ليس له
سلطان على الذين أمنوا وعلى ربهم يتوكلون. ويقول تعالى في موضع أخر :"قال ربي
بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين".
وإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح أن يقال إنه كان للشيطان حظ من رسول الله (ص) وقد
استمر سلطانه عليه حتى تمكن جبرائيل أخيرا من خلال عملية جراحية نزع علاقة الشيطان
من قلب النبي (ص). وبذلك فإن حادثة "شق الصدر" تتنافى مع صريح القرآن
الكريم لذلك لا يمكن القبول بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق