الأحد، 13 أبريل 2014

القارونية






القارونية

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد 

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ{76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ{77} قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ{78} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ{80} فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ{81} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ{82}
الآيات القرآنية تتحدث عن قارون رجل من قوم نبي الله موسى (ع) أتاه الله من المال والكنوز ما تعجر عن حمل مفاتحه العصبة من الرجال فلكم أن تتخيلوا حجم هذا الإبتلاء العظيم
تكشف الايات عن جوانب تربوية مهمة في العقلية الإنسانية فقارون لم يدرك حقيقة مغزى الإبتلاء فإنحرف في تفكيره ومشاعره وظهرت عليه عوارض الإستكبار
{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي...}
قارون هنا لم يرتب موقفه وسلوكه على معاندة مباشرة للإرادة الإلهية وإنما إستناداً إلى حالة شعورية جامحة أوهمته أنه هو الذي هيأ أسباب غناه فلا فضل لأحد عليه فيما جمعه وإدخره وبالتالي لا حق لأحد عليه في تحديد موارد صرف هذا المال وهذا تصوير قرآني للواقع النفسي لدى معظم أصحاب المال يفسر لنا السلوك الإستعلائي عندهم فضلاً عن أنه خطاب وعظي وتحذيري لهذه الشريحة
قال رسول الله (ص) : "كثرة المال تفسد القلوب وتنسي الذنوب "
وايضاً تناولت الآيات موقف الناس في مجتمعه وتحدثت عن فئتين الأولى إنبهرت بمظاهر الترف والبذخ وتمنت محاكاته
{....قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
والثانية تعاطت بحكمة مع الأمر وتعدته إلى الواقع الحقيقي فلم تجد في ماله سوى مظهراً عرضياً زائلاً 
{...وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً..}
هذا النموذج القاروني الذي إستعرضه القرآن الكريم أراد الله من خلاله توجيه وتنبيه وتذكير الإنسان لرؤية حقيقة وبواطن الأمور وليس الغفلة والإستغراق في الأوهام والمظاهر الشكلية الخادعة فلكل أمر ظاهر وباطن وهذا ما تنبهت له الفئة الأولى بعد أن خسف الله بقارون وبداره الأرض 
{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}
لقد أدركوا أن الرزق بيد الله يبسط ويقدر كما يشاء للإبتلاء والإمتحان في الحالتين وأن المال في جوهره عرض زائل والمشكلة ليست في جمع المال والثروة إنما في طريقة تحصيله وموارد صرفه ودلالة الآيات واضحة تحصر الحرمة بالإفساد والإسراف والإستعلاء
قال رسول الله (ص) : قال الشيطان :" لن يسلم مني صاحب المال من إحدى ثلاث أغدو عليه بهنّ واروح : أخذه من غير حلّه وإنفاقه في غير حقه وأحببه إليه فيمنعه من حقّه "
إن النموذج القاروني ليس منحصراً في زمان ومكان محدد بل هو نموذج عايشه من قبلنا ونعايشه في حاضرنا ويستدعي منا معرفة مدى إنسجام وتوافق ميولنا ومشاعرنا أين موقعنا ؟ مع اي فئة ؟
عن الإمام عليّ عليه السلام : "إن العبد إذا مات قالت الملائكة ما قدّم ؟ وقال الناس ما أخرّ ؟
فقدموا فضلاً يكن لكم ولا تؤخروا كلأ يكن عليكم فإن المحروم من حُرم  خير ماله والمغبوط من ثقل بالصدقات والخيرات موازينه ..."
وعن الإمام الباقر (ع) : "إن الله تعالى وتبارك يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيد أنملة وملائكة يعيرونهم تعيراً شديداً يقولون : هؤلاء الذين اعطاهم الله فمنعوا حقّ الله في أموالهم"

أسالكم الدعاء
كفعمي العاملي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق