الاثنين، 1 أكتوبر 2012

فلسفة الحج عند الإمام علي عليه السلام




فلسفة الحج عند الإمام عليّ عليه السلام  
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

يجد الإنسان المسلم في نهج البلاغة كلمات للإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يتعلّم منها ويقرأ فيها آفاقاً ما كان ليجدها في كلام غيره من الناس بعد كلام رسول الله صلّى الله عليه وآله  وهل أعجب في الحديث عن الكعبة والحج من كلام رجل يعدّ من أصحاب البصائر الفريدة كان قد جرّب وذاق وعرف فسما وامتلأ وفاض فلنتدبّر معاً كلامه عليه السلام وبشكل خاص المقطع الأخير
يقول الإمام عليّ عليه السّلام:
 وفرض عليكم حجّ بيته الحرام الذي جعله قِبلةً للأنام يَرِدونه ورود الأنعام ويألهون إليه ولوه الحَمام وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته وإذعانهم لعزّته. واختار من خلقه سُمّاعاً أجابوا إليه دعوته وصدّقوا كلمته ووقفوا مواقف أنبيائه وتشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه يحرزون الأرباح في مَتجر عبادته ويتبادرون عنده موعد مغفرته. جعله (البيت الحرام ) سبحانه وتعالى للإسلام عَلَماً وللعائذين حرماً فَرَض حقّه وأوجب حجّه وكتب عليكم وفادته فقال سبحانه
{ ولِلّهِ على الناسِ حجُّ البيتِ مَنِ استطاعَ إليه سبيلاً ومَن كفرَ فإنّ اللهَ غنيٌّ عنِ العالمينَ} ألا ترون أنّ الله، سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخِرين من هذا العالم بأحجار لا تضرُّ ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للنّاسِ قياماً . ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً وأقلّ نتائق الدنيا مَدَراً وأضيق بطون الأودية قُطْراً بين جبال خشنة ورمال دمِثة وعيون وَشِلَة وقرى منقطعة لا يزكو بها خف ولا حافر ولا ظلف. ثمّ أمر آدم عليه السّلام وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه فصار مثابة لمنتجع أسفارهم وغاية لملقى رحالهم تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار سحيقة ومهاوي فجاج عميقة وجزائر بحار منقطعة حتّى يهزُّوا مناكبهم ذُللاً يهلّلون للهِ حوله ويَرْمَلون على أقدامهم شُعْثاً غُبْراً له قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خَلقِهم ابتلاءً عظيماً وامتحاناً شديداً واختباراً مبيناً وتمحيصاً بليغاً جعله الله سبباً لرحمته ووصلة إلى جنّته. ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنّات وأنهار وسهل وقرار جمَّ الأشجار دانيَ الثمار ملتفَّ البُنى متّصِل القُرى بين بُرّةٍ سمراء وروضة خضراء وأرياف مٌحْدِقة وعِراصٍ مُغْدِقة ورياض ناضرة وطرق عامرة لكان قد صَغُرَ قَدْرُ الجزاء على حسب ضعف البلاء. ولو كان الأساس المحصول عليها والأحجار المرفوع بها بين زمُرُّدة خضراء وياقوتة حمراء ونور وضياء لَخفّف ذلك مصارعة الشك في الصدور ولَوضعَ مجاهدةَ إبليس عن القلوب ولنفى معتلَجَ الرَّيب من الناس. ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ويتعبّدهم بأنواع المَجاهِد ويبتليهم بضروب المكاره إخراجاً للتكبّر من قلوبهم وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم وليجعلَ ذلك أبواباً فُتُحاً إلى فضله وأسباباً ذللاً لعفوه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق