الجمعة، 3 فبراير 2012

العبادة





العبادة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(1)
يقول السيد محمد حسين طباطبائي " قوله تعالى: «و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون» فيه التفات من سياق التكلم بالغير إلى التكلم وحده لأن الأفعال المذكورة سابقا المنسوبة إليه تعالى كالخلق و إرسال الرسل و إنزال العذاب كل ذلك مما يقبل توسيط الوسائط كالملائكة و سائر الأسباب بخلاف الغرض من الخلق و الإيجاد فإنه أمر يختص بالله سبحانه لا يشاركه فيه أحد .وقوله: «إلا ليعبدون» استثناء من النفي لا ريب في ظهوره في أن للخلقة غرضا و أن الغرض العبادة بمعنى كونهم عابدين لله لا كونه معبودا فقد قال: ليعبدون و لم يقل: لأعبد أو لأكون معبودا لهم.على أن الغرض كيفما كان أمر يستكمل به صاحب الغرض و يرتفع به حاجته و الله سبحانه لا نقص فيه و لا حاجة له حتى يستكمل به و يرتفع به حاجته، و من جهة أخرى الفعل الذي لا ينتهي إلى غرض لفاعله لغو سفهي و يستنتج منه أن له سبحانه في فعله غرضا هو ذاته لا غرض خارج منه، و أن لفعله غرضا يعود إلى نفس الفعل و هو كمال للفعل لا لفاعله، فالعبادة غرض لخلقة الإنسان و كمال عائد إليه هي و ما يتبعها من الآثار كالرحمة و المغفرة و غير ذلك، و لو كان للعبادة غرض كالمعرفة الحاصلة بها و الخلوص لله كان هو الغرض الأقصى و العبادة غرضا متوسطا"(2)
ما أريد التأكيد عليه فيما تقدم أنه صحيح أن الله تعالى حصر هدف الخلقة بالعبادة ولكن مردودها عائد إلى العبد نفسه وليس للمعبود الغني عن العالمين .
الآن السوأل الذي يتبادر إلى الذهن هو ما معنى العبادة ؟
يقول السيد الخوئي " العبادة في اللغة تأتي لأحد معاني ثلاثة
الأول : الطاعة ومنه قوله تعالى
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }(3)
فإن عبادة الشيطان المنهي عنها في الاية المباركة إطاعته
الثاني : الخضوع والتذلل ومنه قوله تعالى
{فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ }(4)
أي خاضعون متذللون ومنه ايضاً إطلاق "المُعبّد " على الطريق الذي يكثر المرور عليه
الثالث : التأله ومنه قوله تعالى
{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ }(5)
وإلى المعنى الأخير ينصرف هذا اللفظ في العرف العام إذا اُطلق دون قرينة (6)
فالعبادة أولاً تكوينية أي أن جميع المخلوقات خاضعة لله من حيث الإيجاد والعدم والبقاء والفناء خضوعاً قسرياً لا إرادياً وعند إدراك هذا تأتي العبادة التشريعية وهي الطاعة والتسليم في كافة مجالات الحياة الفردية والإجتماعية
في حديث عنوان البصري عن الصادق (ع) قلت : يا ابا عبد الله ما حقيقة العبودية ؟
قال ثلاثة اشياء : أن لا يرى العبد فيما خوله ملكاً لإن العبيد لا يكون لهم ملك يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً وجملة إشتغاله فيما أمره الله به ونهاه عنه ... فهذا أول درجة التقّى(7)
وهذا مصداق قوله تعالى
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(8)
وعن أمير المؤمنين (ع) " إنّا لا نملك مع الله تبارك وتعالى شيئاً ولا نملك إلا ما ملّكنا فمتى ملّكنا ما هو أملك به منّا كلفنا ومتى أخذه وضع تكليفه عنّا "(9)
ومن كان هذا إعتقاده وتيقن به ستهون عليه الدنيا وما فيها فلا يفرح بما آتاه الله ولا يحزن على ما فاته فالله تعالى المدبّر والعالم بما يُصلح حال عباده وأمر دينهم
إن ما تقدم من معنى العبادة لا يعني بالتأكيد إعتزال الناس وإهمال الجوانب الحياتية بحجة التفرغ للعبادة فعبادة الله لا تنحصر في الطقوس الشكلية فقط إنما الصحيح والمطلوب هو تحويل كل حركة ونشاط إلى عبادة فلا تعارض بين الأمرين وهذا نلاحظه في سيل الروايات الواردة عن أهل بيت الوحي (ع) فطلب الحلال عبادة ونظرالولد لوالديه حباً عبادة والتودد للمؤمنين والتبسم في وجوههم عبادة وحسن تبعل المرأة عبادة والقائمة تطول لتشمل كل ميادين الحياة والأصل فيها طلب مرضاة الله والتقرب إليه والعمل بأوامره وعبادته لما هو أهله
عن مولانا زين العابدين(ع) : إني أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلا ثوابه فأكون كالعبد الطّمع المطمع إن طمع عمل وإلا لا يعمل أكره أن لا أعبده إلا لخوف عقابه فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل
قيل: فلم تعبده ؟
قال : لما هو أهله بأياديه عليّ وإنعامه(10)
عندما نصل لهذه المرحلة من العبادة سنشعر حتماً بلذة كل عمل نقوم سيتحول كل جهد وتعب إلى حالة من الأنس لإنه يقربنا من المحبوب ستكون نظرتنا لحياتنا مختلفة سندرك حينها المعنى الحقيقي للحرية لإن من كان عبداً لله هو الحرّ الحقيقي وما عداه ما هم سوى عبيد لأهواهم وشهواتهم
عن الإمام الصادق (ع) :" .. الا وإنك لو وجدت حلاوة عبادة الله ورأيت بركاتها وإستضأت بنورها لم تصبر عنها ساعة واحدة ولو قُطعت إرباً إرباً "(11)
ختاماً ماذا علينا أن نفعل كي نكون أعبد الناس ؟
يقول الله تعالى : " ابن آدم إعمل بما افترضت عليك تكن من أعبد الناس "(12)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
مصادر البحث
1- الذاريات 56
2- الميزان في تفسير القرآن (الموقع الإلكتروني)
3- يس 60
4- المؤمنون 47
5- الرعد 13
6- السيد الخوئي / البيان ص 457
7- الريشهري / ميزان الحكمة مادة عبد ص 12
8- الأنعام 162
9- نهج البلاغة / حكمة 404
10- الريشهري / ميزان الحكمة مادة عبد ص 18
11- المجلسي / بحار الأنوار ج 70 ص 69
12- الريشهري / ميزان الحكمة /مادة عبد ص21

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق