الخميس، 23 فبراير 2012

التوازن بين الدنيا والآخرة




التوازن بين الدنيا والآخرة

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
عند إستعراضنا للنصوص الإسلامية التي تتناول الدنيا نجد أن هناك طائفة من الآيات القرانية والروايات يبدو منها الدفع والترغيب في الجانب المادي من حياة الإنسان
كوصفه بالخير والفضل والأجر والرحمة والتأكيد على أنه جانب مقوم لحياة الإنسان وضروري له
وهناك طائفة آخرى تنفر من الدنيا ومن الجانب المادي فتصفه بإنه يقتضي العقاب وأنه مجرد عرض زائل لا ثبات له ولا أصالة
هنا قد يقع البعض في حيرة من أمره ويعتقد أن هناك تناقض بين هذه النصوص وتنافي ولكن هذا البعض يغيب عنه ان هناك طائفة ثالثة من النصوص تكشف الغموض ومن خلالها نقف أمام نظرة متكاملة إسلامية للدنيا
والنواحي المادية تشكل عنصراً تصورياً للحياة والوجود يعبر عن واقعية الإسلام وشموله وتحديده لكل المنطلقات الفكرية التي تضمن السير التكاملي الطبيعي للإنسان محققة التوازن النظري والعملي المطلوب
فلا هو بالإنسان الخامل المتقوقع والمنعزل ولا هو بالإنسان المبتلى برؤية كاذبة ومضخمة حتى يصبح عبد الهوى لا عبد الله
بالتأكيد النصوص المذكورة في هذا المجال كثيرة جداً بحيث لا يتسع المجال هنا لتناولها كلها وبشكل مفصل لذلك سأكتفي بذكر مجموعة من الطائفة الأولى وكذا من الثانية والثالثة ثم نخلص إلى النتيجة المرجوة
· نصوص تأمر بطلب الدنيا وتحصيل ما فيها
1- قال الله تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77
2- جاء في الحديث الشريف عن الصادق (ع) :"إن قوماً من اصحاب النبي (ص) لما نزلت آية { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب .......}
اغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا قد كفينا فبلغ ذلك النبي (ص) فأرسل إليهم
فقال : ما حملكم على ما صنعتم ؟
فقالوا : يا رسول الله تكفل الله لنا بأرزقنا فأقبلنا على العبادة
فقال : من فعل ذلك لم يستجب له عليكم بالطلب
3- قال رسول الله (ص) : طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة
4- قال علي (ع) : شاركوا الذي قد أقبل عليه الرزق فإنه اخلق للغنى وأجدر بإقبال الحظ عليه
5- وقال علي (ع) : تعرضوا للتجارات فإن لكم فيها غنى عما في أيدي الناس وإن الله يحب المحترف الأمين
6- عن معلى بن خنيس قال : رآني ابو عبد الله (ع) وقد تأخرت عن السوق فقال : اغدُ إلى عزك
7- قال ابو عبد الله (ع) : إني لأبغض الرجل فاغراً فاه إلى ربه فيقول إرزقني ويترك الطلب
8- وعن ابي عبد الله (ع) قال : اسئلوا الله الغنى والعافية في الدنيا وفي الآخرة المغفرة والجنة
9- وقال الصادق : ليس منا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه
10- عن حسن بن جهم قال : سمعت الرضا (ع) يقول : إن الإنسان إذا ادخل طعام سنة خف ظهره وإستراح
· نصوص تذم الدنيا وطلبها
1- قال الله تعالى {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }التوبة55
2- وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }فاطر5
3- قال علي (ع) : أما بعد فإني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة حفت بالشهوات ...غرارة ضرارة
4- وقال علي (ع) : كونوا ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فإن كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة
5- قال رسول الله (ص) : إن في طلب الدنيا إضراراَ بالآخرة وفي طلب الآخرة إضراراً بالدنيا فأضروا بالدنيا فإنها احق بالإضرار
6- عن علي (ع) : أما بعد فإنا الدنيا مشغلة الآخرة
7- وقال علي (ع) : المال مادة الشهوة
8- قال علي (ع) : انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها الصادفين عنها
9- وقال (ع) :كونوا عن الدنيا نزاهاً وإلى الآخرة ولاهاً
10- وقال (ع) : لسنا للدنيا خلقنا ولا بالسعي فيها امرنا وإنما وضعنا فيها لنبتلي بها
· والآن سنستعرض بعض النصوص التي سنرى من خلالها أن الدنيا التي تم ذمها في النصوص السابقة ليس اصل الدنيا بل حبها على حساب الآخرة
والإنشغال بها عن الآخرة هو المذموم واقعاً وهو ما يحول بين المسلم والآخرة
وهنا ليس المال فقط يصبح مذموماً بل حتى الفقر إذا كان يجعل الإنسان ينشغل به عن الآخرة بينما قد يصبح المال وسيلة لنيل الآخرة والفوز بالجنة
1- قال الله تعالى :{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وتذرون الآخرة }القيامة20
2- وقال عز من قائل : {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً }الفجر20
3- عن علي (ع) : من لهج قلبه بحب الدنيا التاط قلبه بثلاث :همّ لا يغبه وحرص لا يتركه وأمل لا يدركه
4- وقال الله تعالى : {اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }إبراهيم3
( لاحظوا كلمة – يستحبون – لم يقل يحبون )
5- وقال علي (ع) : إن دُعي إلى حرث الدنيا عمل لها وإن دعي إلى حرث الآخرة كسل كأن ماعمل له واجب عليه وكأن ما ونى فيه ساقط عنه
6- قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتاها
فقال (ع) : تحب أن تصنع بها ماذا ؟
قال : أعود بها على نفسي وعيالي وأصل بها وأتصدق بها وأحج وأعتمر
فقال أبو عبد الله (ع) : ليس هذا طلب الدنيا بل طلب الآخرة
<<[ وهذه الرواية من أحسن الروايات وأوضحها لرفع التعارض والتنافي بين بعض النصوص]
7- قال علي (ع) : لا تصلح دنياك بمحق دينك فتكون من الأخسرين أعمالاً
8- عن أبي عبد الله (ع): لعن الله الذهب والفضة لا يحبهما إلا من كان من جنسهما
قلت :جعلت فداك الذهب والفضة ؟
قال(ع) ليس حيث تذهب إليه إنما الذهب الذي ذهب بالدين والفضة الذي أفاض الكفر
<<<[ هذه الرواية مثل سابقتها في إيضاح المبهم من النصوص فالذهب والفضة ليسا ممقوتان بنفسهما إنما المدار هو وجهة ونتاج إستخدمهما]
9- عن علي (ع) : وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها وتكالبهم عليها <<<[ هذه الرواية توضح أن المذموم هو الركون والإطمئنان للدنيا ]
10- وعن علي (ع) : الناس في الدنيا عاملان عامل عمل في الدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته ... وعامل عمل في الدنيا لما بعدها فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل فأحرز الحظين معاً وملك الدارين جميعاً
فأصبح وجيهاً عند الله
المحصل بعد إستعراض هذه النصوص أنه لا تعارض بين هذه النصوص اصلاً وإن الدنيا بالمعنى الأعم المجرد لا محبوبة ولا مبغوضة فإن استعملت في الأمور المشروعة وفي طريق تحصيل مرضاة الله فهي حسنة ومحبوبة
وإن استعملت عكس هذا فهي مذمومة مبغوضة لذلك فإن الله أمر بتحصيل الدنيا بالمعنى الأعم لأن الأنسان بها يتجر ويكتسب ثواب الآخرة ولأنه محتاج إليها في امر دنياه وآخرته
حتى إن الكمالات واكتسب الدرجات متوقف عليها نعم يجب أن لا يغفل الإنسان ان الدنيا قد تكون موجبة للخسران والإعراض عن الحق وانها دار إبتلاء
فعليه يمكن التوفيق بين النصوص بجملة وا حدة أن الدنيا بالمعنى الأعم محبوبة ذاتاً إذا كانت وسيلة لإكتساب الآخرة وجلب الخيرات ومبغوضة عرضاً إذا كانت موجبة لكسب المعاصي والشرور
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وأن لايجعل الله الدنيا اكبر همنا
أسألكم الدعاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق