الأربعاء، 22 فبراير 2012

أسطورة عمر الإنسان


أسطورة عمر الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

لماذا يكون الإنسان في بعض أدوار حياته كالأسد وبعضها الآخر كالحمار مثلا ؟
إليكم هذه الأسطورة الخيالية والتي تخفي بين أسطرها شيء من العبرة وتستأهل بعض التأمل وهي بكل الأحوال أسطورة طريفة

تقول إحدى الأساطير إن الله تعالى عندما خلق المخلوقات أراد أن يحدد أعمارها لأن كل حيّ لا بد أن يموت
فإستدعى الإنسان اولاً وقال له : قسمنا لك يا إبن آدم عمراً في حدود العشرين سنة
فتراجف الإنسان وقال معترضاً : يا رب إنك تطلب مني أن أنّقب الأرض وأغرسها وان أبني فيها البيوت وأسكنها فهل تكفي هذه السنوات العشرون لكل هذه الأعمال ؟ ثم أنك سميتني الإنسان لكي أنسى متاعبي وهمومي فهل أعطيتني الوقت الكافي لكي أتعب وأشقى في أول حياتي ثم أرتاح في آخر عمري
فأمر الله الإنسان أن يقف جانباً
ثم إستدعى الله الأسد وقال له : قسمنا لك يا أبا العباس عشرين سنة من العمر
فقال الأسد : أنت ايها القدير وهبتني القوة والوقار وجعلتني ملكاً على الوحوش وقد سميتني الأسد ليبقى عندي الرأي السديد والحزم وأنا أخاف إن طال عمري ان يفسد أمري لأن الحاكم إذا طالت مدّته فترت همته ( ماعدا الحكام العرب نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة) وزهدت في رعيته
فإختصر الله من عمره عشر سنوات وأضافها إلى عمر الإنسان
ثم إستدعى الحصان وقال قسمنا لك يا ابا الفوارس عشرين سنة
فقال الحصان : يا رب خلقتني أبياً والخير معقود بناصيتي وسميتني الحصان لأنك حصنتني بالعنفوان وأطلقتني للجهاد وانا أخشى إن إمتد بي زماني أن أخسر عنفواني والمثل يقول " لكل كريم نبوة ولكل جواد كبوة وحاشاك يا سيدي أن تتغاضى عن إستماع إلتماساتي
فإختصر الله من عمره عشر سنوات زمنحها للإنسان
ثم إستدعى الله الثور وقال قسمنا لك يا ابا الخير عشرين سنة
فقال الثور يا حامل القسطاس للعدل بين الناس عندما خلقتني جعلت النير على عنقي وسمحت لي أن اثور أحياناً فاقطع كل وثاق إذا بلغ الإستغلال حداً لا يطاق فأخشى إذا طال عمري أن أحمل أعباء الثورات دوماً في عنقي وإن ساء ضني بنفسي ما ساء ظني بك يا الله
فقال الله إقتطعنا من عمرك عشر سنوات وأضفنها لعمر الإنسان
ثم نادى المنادي الآتان مراراً وتكراراً فلم يحضر وإذا به مشغولاً ببعض الحشائش والأعشاب فلم حضر فسُأل لماذا لم تحضر ؟
فقال العفو لقد نسيت إسمي
فقال الله تعالى عندما خلقناك سميناك الآتان وناديناك بهذا الإسم الرنان أما وقد نسيته لذلك سيكون إسمك الحمار بسبب حمرنتك وغباوتك فتكون البلادة مزيتّك والحمرنة سجيتك ويكون التبن عليقك وكل منكود رفيقك فلا تمشي بعد الآن إلا والرسن في رأسك والعصا على قفاك لكي يصح فيك المثل " لو الرسن والعصا كان الحمار أول من عصى " وأمرنا أن يكون عمرك عشرين سنة
فنهق الحمار وشهق وضرب أخماساً بأسداس عشرون سنة يا ربي !!! والحمل على ظهري والرسن في عنقي !!!
فحُذف من عمره عشر سنوات وأضيفت للإنسان
ثم أمر الله أن يُحضروا الثعلب وقال له قسمنا لك يا أبا الحصين عشرين سنة
فقال الثعلب يا رب جعلت مهنتي السياسة لأني واسع الحيلة أقول غير ما اضمر وألجأ إلى السفسطة في الكلام لإفحام الأخصام ورجل السياسة يا سيدي يتعب على لسانه ويتملق أتباعه وأعوانه وإذا طال عمر السياسي وجد نفسه لا مع ضميره بخير ولا مع الناس بخير
فإختصر الله من عمره عشر سنوات وأضافها لعمر الإنسان
ثم إستدعى الله البومة فقال الله قسمنا لك يا ام نعسان عشرين سنة
فقالت أنت يا ذا البهاء ومبعث الضياء عندما منحتني الحياة جعلتني لا أرى الأشياء إلا في الظلام لكي أتعاطى الفلسفة فإذا كان العلم رؤية الحقائق كما هي في ضوء النهار فإن الفلسفة هي رؤية الحقائق في الظلام لا كما هي بل كما يجب أن تكون وهذا هو الفرق بين العلم والفلسفة والذي اراه صواباً اول الليل قد يصبح سراباً في آخره فأميل دائماً إلى التشائم لأن النظرية شيء والنظر شيء آخر لذلك أخشى إن طالت حياتي أن أرى بطلان النظريات وتزداد الهفوات
فأعفاها الله من عشرة سنوات وأضافها للإنسان
ثم إستدعى الله القرد وقسم له عشرين سنة
فقال القرد يا صاحب الجلال أنت تعلم أني كنت إنسان أصرف الناس عن العمل والتأمل واشغلهم باللهو ولذلك مسختني قرداً رزياً وكما يقول المثل " أكثر من القرد ما مسخ الله " فصرت مهزأة للناس وأخاف إن طال عمري أن تطول مهانتي
فحذف الله من عمره عشر سنوات وأعطاها للإنسان
واخيراً إستدعى الله الخلد وقسم له عشرين سنة
فقال الخلد إنك حكمت علي منذ الأزل أن أعيش تحت الأرض واظل أحفر قبري بيدي بين التراب وقد جعلتني أعمى فلا ارى ولا أفهم ولا أستطيع أن أتلمس نهاية الطريق ولا أمل لي في الحياة والمثل يقول " لولا الأمل بطل العمل "
فحذف الله من عمره عشرة سنوات وأضافها لعمر الإنسان
ثم قال الله للإنسان ها قد أصبح معدل عمرك مئة سنة لكن لما كان كل حيّ ما عداك زاهداً في طول الحياة لذلك جعلنا لسائر الأحياء حياة واحدة تنتهي بالموت وتنتهي بذلك همومها ومتاعبها أما أنت أيها الإنسان فبسبب طمعك جعلنا لك حياتين دنيا وآخرة وبين الحياتين حساب وثواب وعقاب وقد أطلنا حياتك لنعطيك منسعاً لمعرفة الخير من الشر فتمرّ خلال حياتك الدنيا في أعمار وأطوار بعض الحيوانات وتكتسب صفاتها وأخلاقها
وهكذا وفق هذه الأسطورة يقال ان أول عشرين سنة من عمر الإنسان هي عمره الحقيقي عمر الشباب والبراءة والمحبة والصداقة والإخلاص
ثم بين العشرين والثلاثين عمر الأسد أي القوة والشهامة والمرؤة
وبين الثلاثين والأربعين عمر الحصان يبدا الشعور بالمسؤولية فهو مركوب ملجوم لكنه صاحب عنفوان يصول ويجول
وبين الأربعين والخمسين عمر الثور يحمل نير مسؤولية العائلة في عنقه بصبر وثبات ولكنه يثور بين الفينة والأخرى
وبين الخمسين والستين يعيش عمر الحمار فيرزح تحت أثقاله ويرضخ لسوء حاله
وبين الستين والسبعين يعيش عمر الثعلب وهو عمر النضوج السياسي والمكر والمخادعة وقلة الثقة بالناس
وبين السبعين والثمانين يعيش عمر البومة وهو عمر التشاؤم والنظر في الظلام أي ما وراء الموت
وبين الثمانين والتسعين يعيش عمر القرد فيكون عرضة لسخرية الناس وإستخفافهم
واخيراً بين التسعين والمئة يصير الإنسان مثل الخلد يعيش في الظلام إستعداداً للرقود داخل ظلام القبر فيشحّ نظره ويقلّ سمعه وتتقلص أحلامه
فلا يفكر سوى بالموت ولا يستطيع أن يتلمس نهاية طريق حياته




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق