الولاية
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
قال الصادق عليه السلام "لوأن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله جل وعزّ حق في ثوابه
قال الصادق عليه السلام "لوأن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله جل وعزّ حق في ثوابه
* الولاية بمعناها العام
الولاية من أهم الاصول المنهجية الإجتماعية والسياسية والمعنوية في الاسلام وهي تتجلى في القرآن الكريم بوضوح لمن تدّبر وتعرّف على هذا الكتاب الرباني فإن الآيات الواضحات التي تتحدث عن الولاية تملئ صفحاته المباركة فأين ما ذهبت ترى الآيات تطرح وتتحدث عن نهضة الانبياء وصدامها مع المستكبرين وهي بالحقيقة تتحدث عن المجتمعات البشرية ومصير الاقوام وولائتها وتحزبتها وانتخاب قادتها ومحورها الولاية ومن البديهي ليكون بحث الولاية منهجي يجب الولوج إليه من باب النبوة ولو بشكل مختصر فحقيقة النبوة وكنهها وجوهرها الولاية فهدف النبوة هو ايصال الانسان إلى كماله والمقصود بكماله أي استخراج كل قوته إلى حيز الفعل بمعنى اوضح ايصاله إلى المرحلة التي يصبح فيها بحق خليفة الله لصنع هذا الكائن يعمد النبي إلى تأسيس مجتمع اسلامي يكون الله هو الحاكم والمشرّع والكل بما فيهم النبي خاضع لهذا التشريع فهو أول من يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وهو أي النبي مسؤول عن تطبيق المقررات الالهية وشرحها والحكم وفقها حتى على نفسه فهو مبلغ ونذير ورسول هذا المجتمع قادر على انتاج هذا النوع الراقي من البشر لأن الانسان أينما توجه في هذا المجتمع إلى المسجد أو السوق أو الحكومة أو القريب أو البعيد يرى أن كل شيء متعلق بالله ويقربه إلى عبادة الله ويصنع منه عبداً لله وهذا طبعاً لا يحدث في سنة أو سنتين بل يحتاج ترسيخه إلى عشرات السنين ليصبح المجتمع كالآلة تنتج آلياً افراد يمتزون ويتحلون بهذه المميزات وبطبيعة الحال النبي يسعى وبالوسائل الطبيعية لتأسيس هذا المجتمع أي بعيداً عن الاساليب الخارقة للعادة فهذه الجماعة الضيئلة ولكي تواجه محيطها المشرك والجارف والاكثري ولكي لا تذوب وتضمحل يلجأ النبي إلى شد المسلمين إلى بعضهم وخلق حالة من الانضباط والتماسك والاتحاد هذا التماسك هو ما يُصطلح عليه في القرآن بشكل أولي بالولاية أي عدد من ألأفراد لديهم فكرة واحدة وهدف وطريق واحد وقائد يسير بهذه القافلة إلى هدفها هنا نصل إلى جزء من معنى الولاية التي تقول بها الشيعة جماعة قليلة وسط جو مظلم وحياة جاهلية وتنكيل واضطهاد على مر العصور ومع ذلك ونتيجة تماسكها وتمسكها بالولاية أجتازت هذه الاحقاب التاريخية المظلمة وتزيادة ولم تنقرض فالأئمة قاموا بربط الشيعة ببعضهم حتى يتمكنوا من الحفاظ على تيار الشيعة عبر التاريخ إذا هذا المعنى الأولي للولاية وهو يشمل العلاقات الداخلية بين الافراد اي التلاحم ونبذ الفرقة والخلاف والعلاقات الخارجية وهو علاقة هذا المجتمع مع الخارج أي العالم غير الاسلامي وهنا نتحدث عن الاستقلالية وعدم التأثر والخضوع لأي قوة خارجية صديقة أم عدوة ونستطرد هنا قليلا فعندما نرى اليوم المجتمع الاسلامي وما يصيبه من بلاء الظلم والاستعمار وتدخل الدول الاجنبية ندرك وبشكل ملموس ما معنى أهمية الولاية بهذا المعنى ونتيجة عدم التمسك بها
* ولاية الله ورسوله وأولي الأمر
الآن البعد الثاني هو ولاية ولي الله فما معنى ذلك ؟هل الحب فقط ؟ بالتأكيد لا فالتاريخ يحدثنا عن اناس قتلوا أهل البيت وهم يذرفون الدموع عليهم فإذاً لفهم الولاية ببعدها هذا نعود إلى البحث اعلاه قلنا أن المجتمع الاسلامي لكي يسير على ضوء التشريع الألهي ويسير محافظاً على جميع طاقاته يحتاج إلى قيادة مركزية بمثابة القلب النابض واول خصائصه علمه التام بالقانون الألهي وخضوعه له ويطلق عليه اسم الامام لأن الامام الحق هو الذي يعينه الله في هذا المجتمع ( إني جاعلك للناس إماما) فمقتضى العدل والحكمة واللطف يقتضي من الله تعالى أن يرسل مع قانونه وتشريعه قيم عليه ليبينه ويشرحه للناس وينفذه لكي لا يكون للناس حجة على الله يوم القيامة وهذا ما يسمى بدليل اللطف الذي نستدل به على تعين الامام من قبل الله ومن باب المثل فقط فإننا نرى اليوم أن أي شركة تخترع اختراعاً جديداً فأول ما تقوم به ارسال كتاب تعليمات ومهندس لشرح كيفية عمله فكيف إذا تحدثنا عن دين خاتم للبشرية ؟ فإذاً البعد الآخر هو ضرورة ارتباط الامة الاسلامية بهذا القائد فولاية الائمة معناها أن تكون تابعاً لهم بتفكيرك وسلوكك ومرتبط بهم إرتباط وثيق فتصبح الولاية حصن لك ( ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن عذابي )إن المعنى الذي قدمناه للولاية هو أبسط وألطف وأدق معنى للولاية
* ولاية الفقيه
- مقدمة وخلاصة تاريخية
لا تزال نظرية ولاية الفقيه محل أخذ ورد بين الباحثين منذ أن قام السيد روح الله الموسوي الخميني بتحديث مبانيها وطرحها بشكل واضح وتطبيقها في الجمهورية الإسلامية ولم يكن الإمام اول من طرحها فقد سبقه إلى ذلك الشهيد الأول في اللمعة والمحقق الكركي في جامع المقاصد والشيخ النراقي في عوائد الأيام ولكن نستطيع القول انه طرحها بشكل متماسك ومتكامل ويتجدد بين الحين والآخر بحث ولاية الفقيه سواء على مستوى المبدأ او بعض الركائز الأساسية الخلاصة التاريخية أن نظرية ولاية الفقيه طرحت سابقاً والمشهور بين العلماء السابقين واللاحقين القبول بها وإنما إختلفوا في دائرة الصلاحيات الممنوحة للفقيه في هذه الولاية ونظراً لتكثيف البحث فلن نذكر أقوال العلماء كالمفيد والطوسي وإبن إدريس والحلي وغيرهم من أجلاء العلماء الذين تحدثوا في هذا الشأن
- مفهوم ولاية الفقيه
بعيداً عن المشتقات اللغوية ومعاني مادة ولاية نقول ان ولاية الفقيه هي الطاعة والإلتزام العملي بما يقوله الفقيه ضمن دائرة الصلاحيات المتاحة له فهي إذن حق الفقيه على الأمة في أن تطيعه بأحكامه وقراراته
- الأدلة على ولاية الفقيه
- الدليل العقلي إن تحقيق العدل وحفظ النظام يحتاج إلى تطبيق الأحكام الشرعية وتطبيقها بشكل متكامل يحتاج إلى حكومة إسلامية تملك الأداة التنفيذية لتطبيق هذه الأحكام فكيف لنا تطبيق النظام الحقوقي والقضائي والإقتصادي والسياسي في الأسلام إن لم تكن هناك حكومة ومجتمع إسلاميان ؟ وبالتأكيد هذه الحكومة تحتاج لحاكم يتمتع بصفات ابرزها فقاهة بالشريعة وتقوى وحلم وشجاعة ووعي ومعرفة تامة بما يدور في العالم والأهم إطلاق اليد يعني عدم خضوعه
لظروف في البلد الموجود فيه تمنعه من التصريح بأحكامه إذاً ولاية الفقيه تختزن كل هذه الشروط مجتمعة وغن لم تتوفر فليس أهلاً للحكم مهما بلغت من الفقه مراتبه والولي كغيره من المسلمين محكوم للقانون الإسلامي ولا يجوز له أن يتعداها وليس كما يصور بعضهم فيصور ولاية الفقيه بأنها دكتاتورية دينية ومن النهم أن نعلم أن نظرية ولاية الفقيه ليست نظرية أولية دائمة وثابته بل هي نظرية ثانوية إضطرارية في عصر الغيبة
- الدليل النصي عن النبي (ص) قال : الفقهاء أمناء الرسل مالم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : إتباع السلطان فإن فعلوا فإحذروهم على دينكم
ومن ذلك التوقيع المروي عن صاحب العصر والزمان (عج ) : وأما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله
ومن ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام : أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله
- الصلاحيات الممنوحة لولي الفقيه
- انه العين الساهرة على تطبيق الشريعة والنظام
- انه المسؤول الأول عن إتخاذ القرارات السياسية
- انه المسؤول العسكري والقائد العام للقوات المسلحة وهو صاحب القرار بالحرب والسلم وتحصين ثغور المسلمين
- هو المراقب الأول للوضع الإقتصادي والمحافظ على ثروات البلاد الإسلامية وعلى عدالة توزيعها
- هو المراقب لوضع الأمة الثقافي والحؤول دون البدع والتشويه والمسؤول عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- هو ولي من لا ولي له ووراث من لا وارث له وبيده طلاق المرأة من زوجها في حالات معينة حددتها الشريعة وهو ولي الممتنع والغائب وإجبار المتخلفين عن الحقوق على أدائها
ولما كان الفقيه غير معصوم لا يأمن الخطأ من نفسه كان عليه أن يستشير في كل القضايا ويستنصح من هم أهل الخبرة الأتقياء والأكفاء في مجالاتهم
وكما ذكرنا في بداية البحث فإن هذه النظرية تخضع لتجديد وإدخال بحوث عليها مثل قضية ما إذا كان واجب التعامل مع الأمة كأمة واحدة لها وليّ واحد أم الرضا بالتقسيم وتجزأة البلدان وفق الإتفاقيات التي فرضها الغرب علينا فيكون لكل بلد وليه الخاص وهذا يعود على الأمة شئنا أم أبينا بالخسارة وهذا البحث لم يتوقف على الشيعة بل بحثه السنة ايضاً تحت مسمى الخليفة والبيعة له أو ما يسمى بإعادة الخلافة
ملاحظة هامة : في بحثنا هذا لم يكن همنا إثبات ولاية الفقيه ومناقشة أدلتها إنما الغاية تعريف الولاية وولاية الفقيه بشكل عام
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
نسألكم الدعاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق