الثلاثاء، 22 يناير 2013

الشيخ محمد بن يعقوب الكليني





الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

في تاريخنا علماء من حقهم علينا ومن واجبنا التعرف على سيرتهم فبتضحياتهم وجهادهم حفظوا ونقلوا لنا تراث أئمة أهل البيت عليهم السلام ولا نبالغ إذا قلنا أن الشيخ محمد بن يعقوب الكليني من أبرزهم فمن هو ؟
* بطاقة تعريف
-
الأسم : محمد بن يعقوب
-
نسبته : الكليني نسبة إلى قريته كُلين
-
كنيته : أبو جعفر
-
لقبه : ثقة الأسلام
-
الأب : يعقوب بن اسحاق عالم من علماء الري
-
الأم : أُمّه من بيت عريق في العلم والحديث ويبدو أنّ الاَمّ كانت عالمة فاضلة (سيأتي الحديث لاحقاً )
-
الولادة : ولد في كُلين قرية من قرى الري تقع على بعد 38 كيلومتراً جنوبي غربي بلدة الري الحالية شرقي مدينة قم بينها وبين الطريق 5 كيلومترات سنة ولادته غير مؤكدة ويرجح أنه ولد في سنة 259 هجرية
-
وفاته : توفّي الشيخ الكليني في شعبان 329 هـجري في السنة التي سميت بسنة تناثر النجوم ودفن بالعاصمة بغداد وتوفي عن 70 عاماً قضى منها 20 سنة في تدوين كتاب الكافي
-
الأسرة : أبوه يعقوب بن إسحاق و كان فاضلاً و من أصل عريق و قد تولى تربية ابنه منذ صغره و لقنه بلسان العمل و الأخلاق و السلوك و الآداب الإسلامية ويقع قبر والده في قرية كلين قرب حسن‏آباد في مدينة الري و كان مزاراً للشيعة على مدى قرون والد أمه هو الشيخ محمد بن إبراهيم بن أبان وعمّها هو الشيخ أحمد بن إبراهيم بن أبان يعرّفه الطوسي بقوله: أحمد بن إبراهيم المعروف بعلان الكليني خيّر فاضل من أهل الري وأخوها هو الشيخ علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني يعرّفه النجاشي بقوله: يكنّى أبا الحسن ثقة عين له كتاب أخبار القائم عليه السلام وقد استشهد في طريق الحج
* حياته العامة و دراسته
انتهل الكليني في صغره من هذا العالم و من أبيه و تعرف على علم الحديث و الرجال و قد سافر إلى مدينة الري بعد أن أكمل دراسته الابتدائية ليترقى في مدارج الكمال الإنساني حيث كانت هذه المدينة تحظى بمنزلة علمية خاصة لقد كانت مدينة الري قلب إيران و كانت ملتقى للآراء من الفرق المختلفة كالإسماعيلية و المذاهب كالمذهب الشافعي والحنفي والشيعي و لم يقتصر الكليني في ذلك الزمان في دراسته على العقائد و آراء المذاهب و الاتجاهات المختلفة بل كان يتعرف على بعض الحركات التي كانت تحاول تحريف التشيع عن مسيرته و قد عرف الكليني الداء و تصدى لعلاجه وكان يعتقد بأن علاج كل هذه المشاكل هو الرجوع إلى كلام أهل البيت عليهم‏ السلام وقد حدد الكليني في تلك الفترة مسيرته بعيداً عن كل صخب مصمماً على ضبط و معرفة الأحاديث و لذا فقد حضر عند أساتذة كبار كأبي الحسن محمد بن الأسدي الكوفي و انشغل بكتابة الأحاديث و البحث فيها وتميز الزمن الذي عاش فيه الكليني بتدوين الحديث فقد بدأت في ذلك الوقت نهضة مهمة في جمع وكتابة الأحاديث والروايات في جميع أرجاء البلاد الإسلامية ويعد الكليني من المبرزين في ذلك عرف ان الزمن الذي كان عاش فيه أنه مرحلة لعبور التشيع وأن الأحاديث لو سلمت في هذه الأزمة فإن التشيع سوف يسلم على الدوام من كل انحراف في مسيرته فترك مدينة الري حيث كان أتباع المدرسة العلوية قد وصلوا تواً إلى السلطة متوجها إلى مدينة قم المشهورة بالمحدثين لقد اقترن وصوله إلى قم مع وصول أفراد من أهل الفضل والتقوى إلى مقام الحكم السياسي و الديني و كانوا من المحدثين المشهورين في ذلك الزمان وكان على رأس هؤلاء أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الذي لا يخفى فضله و تقواه و حبه لأهل البيت عليهم‏السلام ومن ضمن من حضر الكليني عنده هو احمد بن ادريس الملقب بالمعلم لأنه تتلمذ عند الإمام الحسن العسكري عليه‏ السلام وحضر أيضاً عند عالم مهذب آخر قل نظيره و هو عبد الله بن جعفر الحميري الذي اعترف جميع المؤرخين و علماء الرجال و المحدثين بمنزلته وكان أيضاً من جملة أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه ‏السلام و هو صاجب كتاب قرب الإسناد المشهور وهو مجموعة من الأخبار يصل سندها إلى الإمام المعصوم عليه‏ السلام وبرغم أن مدينة قم كانت تعد مركزاً للتشيع و الباحثين عن كلام أهل البيت عليهم ‏السلام إلا أن الكليني لم يكتف بذلك بل قرر الاستمرار في البحث عن الروايات والأحاديث التي لم تطرق سمعه ولذا فقد بدأ هجرته متوجها إلى المدن و القرى الأخرى وقد زار منها الكثير و حضر عند المحدثين و رواة الحديث للاستماع إلى أحاديث أهل البيت عليهم‏ السلام وكانت الكوفة من جملة ما ذهب إليه والتي كانت تعد في ذلك الزمان مركزاً علمياً كبيراً و كان فيها المحدّث ابن عقدة الذي اشتهر بحفظ الحديث و استطاع أن يجلب أنظار المهتمين بعلم الحديث إليه وكان يحفظ مئة ألف حديث مع أسانيدها و قد ألف الكثير من الكتب من أهمها -رجال ابن عقدة - وقد ذكر ابن عقدة في هذا الكتاب أسماء ما يقرب من 4000 شخص من تلاميذ الإمام الصادق عليه‏ السلام ونقل عن الإمام الصادق عليه ‏السلام كثيراً من الروايات وبقي هذا الكتاب إلى زمن الشيخ الطوسي ولكن و للأسف الشديد ضاع بعد ذلك كما هو الحال للكثير من التراث الثقافي لأهل البيت عليهم‏ السلام
وصل الكليني إلى بغداد بعد أن حضر عند العشرات من الأساتذة و المحدثين في المدن والمناطق المختلفة و لا تعرف بالضبط مدة أسفار الكليني و لكن يمكن القول بأنه قد خلف صورة جميلة للعالم الشيعي الحقيقي في كل منطقة كان قد زارها فلم يكن شخصاً مجهولاً عندما دخل بغداد و قد افتخر به الشيعة و نظر إليه أهل السنة نظرة حسنة وقد ذاع صيته في التقوى و العلم والفضيلة مما جعل كبار العلماء والمفكرين من معاصريه يرجعون إليه في حل إشكالاتهم الدينية وأتباع الفرق الإسلامية يرجعون إليه في الفتوى و لأجل هذا فقد لقب بثقة الإسلام و كان أول من لقب بذلك في العصر الإسلامي لقد كانت عظمة الكليني عند أهل السنة بحد جعلت ابن الأثير عندما نقل رواية عن النبي صلى‏ الله ‏عليه ‏وآله تقول : " بأن الله يبعث على رأس كل قرن من يجدد الدين و يحييه"فإنه قال بأن الذين أحيوا المذهب الشيعي هم: الإمام محمد بن علي الباقر عليه‏السلام في بداية القرن الأول الهجري و الإمام علي بن موسى الرضا عليه ‏السلام في بداية القرن الثاني وأبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي في بداية القرن الثالث و يمكن القول بكل ثقة واطمئنان إن الكليني كان أشهر علماء عصره ذلك العصر الذي شهد أعظم الجهود من قبل المحدثين والعلماء الكبار وحتى النواب الخاصين لإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف لقد عاصر ثقة الإسلام الشيخ محمد الكليني السفراء الأربعة والنواب الخاصين لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف خلال الغيبة الصغرى التي امتدت 69 عاماً و كانوا هم وسيلة الارتباط بين الشيعة والإمام عليه‏السلام لقد مدح الشيخ الكليني من قبل عامة الطبقات بالصدق والوثاقة والسلوك المرضي والإحاطة الكاملة بالأحاديث والأخبار بحيث كان يرجع إليه في الفتوى الشيعة و السنة وكان موثقاً ومعتمداً عند الفرقتين وكان على رأس المذكورين بالأمانة والعدالة والتقوى والفضيلة والحفظ وضبط الأحاديث والتي تمثل شروط المحدث الموثق الجامع للشرائط
* رأي العلماء فيه
1 -
يقول النجاشي : كان في زمانه شيخ الشيعة و إمامهم في مدينة الري و كان يضبط الحديث أكثر من الآخرين و كان معتمداً أكثر من غيره.
2 -
يقول ابن طاوس : أن وثاقة و أمانة الشيخ الكليني موضع اتفاق الجميع.
3 -
يقول ابن الأثير : أنه قد منح فرقة الإمامية في القرن الثالث حياة جديدة وكان عالماً كبيراً و فاضلاً مشهوراً في المذهب.
4 -
يقول ابن حجر العسقلاني :إن الكليني من رؤساء الشيعة وفضلائهم في أيام المقتدر العباسي
5 -
يقول محمد تقي المجلسي : أنه لم يأت مثل الكليني بين علماء الشيعة، و كل من دقق في أخباره و ترتيب كتابه فإنه يعتقد بأنه كان مؤيداً من قبل الله تعالى
6 -
قال الشيخ الطوسي: يكنّى أبا جعفر جليل القدرعالم بالاَخبار
7 –
قال الشيخ المفيد :هو من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها
8 -
قال صلاح الديـن خليـل بن أيبـك الصـفـدي : من فقهاء الشيعة والمصنّفين على مذهبهم حدّث عن أبي الحسين محمد بن علي الجعفري السمرقندي ومحمد بن أحمد الخفّاف النيسابوري وعلي بن إبراهيم
* أساتذته ومشايخه
1 -
أبو الحسن محمد بن الأسدي الكوفي
2 -
أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري
3 -
أحمد بن إدريس القمي المتوفّى 306هـجري روى عنه في الكافي 1029 حديثاً
4 -
عبد الله بن جعفر الحميري
5 -
أحمد بن محمد بن عاصم الكوفي
6 -
الحسن بن الفضل بن زيد اليماني
7 -
أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمّي صاحب كتاب بصائر الدرجات المتوفّى 290 هـجري
8 -
سهل بن زياد الآدمي الرازي
9 -
محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري وقد بلغت رواياته عنه 758 حديثاً
10 -
أحمد بن مهران
11 -
أبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن عمران الاَشعري القمّي المعروف بابن عامر تبلغ رواياته عنه 83 حديثاً
12 -
أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي صاحب تفسير القمي المشهور المتوفّى حوالي 308 هجري تبلغ رواياته عنه 7028 حديثاً
13 -
علي بن محمد وهو مردّد بين علي بن محمد البندارالمعروف بماجيلويه أوعلي بن محمد بن إبراهيم علاّن الكليني
14 -
محمد بن يحيى العطار القمّي وقد بلغت رواياته عنه 5073 حديثاً
* تلامذته
لقد تتلمذ عنده العديد من التلاميذ الذين صاروا من فقهاء الشيعة و محدثيهم و من مشاهير علمائنا في القرن الرابع الهجري في إيران و العراق، و من هؤلاء:
1 -
ابن أبي رافع الصميري
2 -
أحمد بن أحمد الكاتب الكوفي
3 -
أبو الحسين أحمد بن علي بن سعيد الكوفي المعروف بـابن عقدة المتوفّى333هـجري
4 -
أبو غالب أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الرازي (285ـ 368هـجري )
5 -
أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه صاحب كتاب كامل الزيارات المتوفّى سنة 369 هـجري
6 -
علي بن محمد بن موسى الدقاق
7 –
أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني المعروف بابن أبي زينب الذي كان من خاصة تلاميذه والقريبين منه والذي كتب نسخة من كتاب الكافي
8 -
محمد بن أحمد السناني الزاهري المقيم في ري.
9 -
محمد بن علي ماجيلويه
10 -
محمد بن محمد بن عصام الكليني
11 -
هارون بن موسى
* آثاره ومؤلفاته
1 -
كتاب الكافي وهو أشهر كتبه والذي لم يكن أعظم مؤلفاته فحسب بل لم يكن هناك كتاب في الحديث مثله من حيث الاعتبار في العالم الإسلامي و يعتبر الكافي أول الكتب الأربعة الشيعية
2 -
كتاب الرجال
3 -
كتاب الرد على القرامطة
4 -
كتاب رسائل الأئمة عليهم‏السلام
5 -
كتاب تعبير الرؤيا
6 -
مجموعة شعر وتشمل قصائد شعرية في مناقب وفضائل أهل بيت العصمة والطهارة عليهم‏السلام
* نماذج من إنشائه
إنّ الشيخ الكليني لم يكن محدّثاً فحسب بل كان كاتباً بارعاً يصبّ المعاني والمفاهيم العالية في قوالب جميلة وكان نثره نموذجاً رائعاً من النثر الرائج في القرن الرابع وهذه جملاً من أوّل كتابه يقول: الحمد للّه المحمود لنعمته المعبود لقدرته المطاع في سلطانه المرهوب لجلاله المرغوب إليه فيما عنده النافذ أمره في جميع خلقه علا فاستعلى ودنا فتعالى وارتفع فوق كلّ منظر الذي لابدء لاَوليّته ولا غاية لاَزليته القائم قبل الاَشياء والدائم الذي به قوامها والقاهر الذي لا يوَوده حفظها والقادر الذي بعظمته تفرّد بالملكوت وبقدرته توحّد بالجبروت وبحكمته أظهر حججه على خلقه اخترع الاَشياء إنشاءً وابتدعها ابتداءً بقدرته وحكمته لا من شيء فيبطل الاختراع ولا لعلّة فلا يصحّ الابتداع خلق ما شاء كيف شاء متوحّداً بذلك لاِظهار حكمته وحقيقة ربوبيته لا تضبطه العقول ولا تبلغه الاَوهام ولا تدركه الاَبصار ولا يحيط به مقدارعجزت دونه العبارة وكلّت دونه الاَبصار وضلّ فيه تصاريف الصفات
* آراوَه الكلامية
ومن نماذج آرائه هي صياغة قاعدة يتم على ضوئها تمييز صفات الذات عن صفات الفعل وحاصل القاعدة : أنّ كل وصف غير خاضع للنفي والاِثبات فهو من صفات الذات كالعلم والقدرة فلا يصحّ أن يقال إنّ اللّه يعلم ولايعلم أو يقدر ولايقدر وأمّا ما كان خاضعاً لهما فهو من صفات الفعل فيقال : يريد ولا يريد
يقول : ألا ترى أنّا لا نجد في الوجود مالا يُعلم وما لا يقدر عليه وكذلك صفات ذاته الاَزليّ لسنا نصفه بقدرة وعجز ويجوز أن يقال: يحبّ من أطاعه ويبغض من عصاه ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه وإنّه يرضى ويسخط. وفي الدعاء:اللّهمّ ارض عنّي ولا تسخط عليّ وتولّني ولا تعادني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق