الثلاثاء، 22 يناير 2013

الشيخ الشهيد مرتضى مطهري





الشيخ الشهيد مرتضى مطهري
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
يروي المحيطين بالإمام الخميني (قد) أنهم عندما نقلوا له نبأ إستشهاد ولده مصطفى  أطرق برأسه  ووضع يد على الأرض ثم بعدها واصل إلقاء درسه  ولكن عندما علم بإستشهاد الشيخ مرتضى مطهري دمعت عيناه  وبكى
تُرى من هو هذا الشيخ الذي أبكى الإمام ؟
في 13 جمادي الثاني عام 1338 هجري وفي بلدة فريمان التابعة لمدينة مشهد المقدسة  رُزق الشيخ محمد حسين المطهري الذي عُرف  بأنه عالم تحلى بالتقوى والورع  بولده مرتضى الذي شاءت القدرة الإلهية  أن يكون واحد من أعمدة وأركان المواجهة مع الطاغوت في واحدة من أشد مراحل التاريخ  التي كان الإسلام يتعرض فيها لهجمات شرسة من جهات عديدة
ترعرع الشيخ مرتضى في عائلة زكية وطاهرة فتجلّت في سلوكياته طوال حياته الكريمة ومع إنتهاء مرحلة الطفولة ذهب إلى المكتب وشرع في تعلم القرآن الكريم والعلوم الأولية وعندما وصل لسن الثالثة عشر عزم على الإلتحاق بالحوزرة العلمية وذلك في ذروة الحملة التعسفية التي كان يشنها الشاه رضا خان على العلماء فلم يكن حتى مسموح للعالم أن يرتدي عمامته وبالرغم من محاولة ثنيه من قبل المقربين منه وبالأخص والدته  خوفاً عليه إلا أنه رحل في العام 1350 هجري إلى مدينة مشهد طلباً للعلم وشرع هناك في دراسة مقدمات العلوم كاللغة العربية والفقه والأصول والمنطق وعُرف عنه يومها تعلقه القوي بمدرس الفلسفة الميرزا مهدي الشهيدي الرضوي وهذا ما سيكون له تأثير في مستقبل حياته
وبعد قرابة الأربعة أعوام قضاها في حوزة مشهد شدّ الرحال إلى الحوزة العلمية في قم ليبدء صفحة جديدة من حياته المليئة بالمنعطفات  وفي قم تتلمذ على ايدي كبار أساتذتها فتضاعفت حصيلته العلمية والمعنوية وإرتقت معارفه ومن أبرز الأساتذة الإمام الخميني (قد) فهو يُعتبر من أهم أساتذته سواء من ناحية طول فترة الدراسة عنده أم من ناحية قوة تأثيره في بناء الشخصية العلمية والمعنوية فقد حضر الشيخ لمدة اثني عشر عاما الدروس الغنية لهذا الأستاذ والمربي العظيم فإشترك في درسه الأخلاقي ودروس الأصول والفلسفة  وكان الإمام يوليه إهتماماً خاصاً  وقد وصف الإمام  تلميذه بأوصاف لم يصف بها غيره لعل ابرزها قوله عند إستشهاد الشيخ مطهري " أما أنا فقد فقدت إبناً عزيزاً وقد فُجعت بوفاته إذ كان الشخصية التي أعدها ثمرة حياتي " ولهذا الوصف  معنى كبير  كما هو معلوم  والمطهري نفسه وصف دروس الإمام بانها كان لها الأثر البارز عليه  وكانت تروي ظمأه وتؤنس نفسه ووصف الإمام بقوله " إن هذا الرجل هو نموذج حقيقي يُذكر بالإمام علي (ع) "
وتتلمذ الشيخ ايضاً عند
المرحوم آية الله البروجردي (قد) فقد كان يذهب الشيخ لحضور دروسه في بروجرد قبل قدوم أية الله البروجردي إلى قم ومن اساتذته الذين أثروا فيه أيضاً العالم الرباني الميرزا علي آقا الشيرازي وقد إلتقاه  في أصفهان في العام 1360 هجري واصبح من مريديه وكان الشيخ المطهري  يصفه بقوله " كان فقيهاً وحكيماً وعارفاً وطبيباً وأديباً وإلى جانب هذه المنزلة كان في خدمة سيد الشهداء (ع) ويعتلي المنبر الحسيني ويعظ ويذكر المصيبة  وكانت دموعه تجري طواعية عند ذكره محمد وآل محمد "
والمرحوم الفيلسوف الكبير الميرزا مهدي الآشتياني
والمرحوم آية الله السيد المحقق الداماد
وآية الله العظمى السيد أحمد الخوانساري
ومن أساتذته الذين تأثر بهم  الأستاذ الكبير المرحوم العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي وقد درس الشيخ عنده قرابة العامين والنصف وتعلم منه فلسفة إبن سينا كما شارك في درسه الخاص في الفلسفة المادية  وكان الشيخ المطهري يكن عشقاً وإحتراماً خاصاً  فكن دوماً يقرن ذكره بعبارة " روحي له الفدا" وايضاً العلامة كان يوليه رعاية خاصة فلم يعطي لغيره إجازة شرح كتابه أصول الفلسفة
ثم هاجر من قم إلى طهران في العام 1371 هجري  وفي هذا العام والذي بعده أنهى تأليف مقدمة وحاشية الجزء الأول والثاني من كتاب أصول الفلسفة  وفيهما بدء نشاطه السياسي بالرغم أنه سابقاً إلتحق بمنظمة فدائيي الإسلام
وفي العام 1374 هجري شرع  بالتدريس  في كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية  واسس حوزة تدريسية  خاصة به
من المميزات البارزة في شخصية الشيخ مرتضى سعة إحاطته بالثقافة الإسلامية بشتى فروعه  فلقد كان فقيهاً وفيلسوفاً وأديباً وخطيباً ومدرساً وعارفاً ولم يكن المقام العلمي السامي للشيخ المطهري هو وحده الذي جعل فيه تلك الجاذبية الخاصة التي نفذ من خلالها إلى أعماق قلوب الناس  بل خصال الإخلاص والصدق والتقوى والورع والتواضع والمواظبة على ذكر الله وإستشعار آلام الآخرين فوجوده كان مفعماً بالإيمان وحب الله  فكان يعشق بقوة وانس خاص صلاة الليل والتهجد وكان يستصغر نفسه في محضر أستاذه ويهتم برعاية إحترام الأستاذ إلى أقصى حد وإمتاز بسعة الصدر وبشاشة وطلاقة الوجه ويُنقل أنه كان يغلق باب غرفته في المدرسة أثناء المطالعة لكي يحافظ على تركيزه الذهني وعندما كانت توجه إليه أسئلة تحتاج غلى تركيز ذهني إستثنائي بعد سلسلة من الاسئلة  المطولة والمتعبة كان يعتذر عن الإجابة ويوكلها غلى فرصة أخرى يجيب عنها بتركيز ووضوح وايضاً وايضاً إمتاز المطهري بعلاقته الخاصة بطبقة الشباب ومشاكلهم ويدلّ على هذا إهتمام الطلبة الجامعيين والمثقفين بمحاضراته ومؤلفاته
والجانب المهم الذي لم نتحدث عنه بعد فهو جهاد هذا العظيم في سبيل إعلاء كلمة الله  ففضلاً عن محاضراته التي ألقاها في الجامعات والإتحادات والجمعيات الإسلامية ومازال معظمها مسجلاً على اشرطة صوتية فقد كان للشيخ نشاطات سياسية مناهضة لحكم الطاغوت الشاهنشاهي في إيران  فكما ذكرنا سابقاً بدء نشاطه في العام 1374 هجري وكان له تعاون مع اية الله الطالقاني  والمهندس بازركان وقد قام بدور اساسي في قيادة جماهير طهران وربطها بقيادة الإمام والقى في إنتفاضة العام 1383 خطاباً حماسياً هاجم فيه الشاه وأعتقل في الليلة نفسها وإستمر سجنه 43 يوماً  وواصل نشاطه فعينه الإمام الخميني كأحد ممثليه في لجان الإئتلاف الإسلامي وكان بإستمرار تحت رقابة جلاوزة الشاه وكان من أعضاء مجلس إدارة حسينية الإرشاد بالإضافة إلى التدريس في كليات الإلهيات وإلقاء محاضرات في الإتحاد الإسلامي والجمعية الإسلامية للأطباء ومسجد جاويد حتى منعته السلطات من إرتقاء المنبر هذا فضلاً عن غزارة  في التأليف تناول فيها مختلف المجالات الإسلامية والتاريخية والإجتماعية والفلسفية وووووو فكان كل كتاب مصداقاً للجهاد الحقيقي ضد نظام الشاه وجميع التيارات  المناهضة للإسلام
فكتاب ( الحجاب وحقوق المرأة في الإسلام ) كان مواجهة لسياسة الشاه الداعية لخلع الحجاب  وتشويه صورة الإسلام عن المرأة
وكتاب (الإسلام وإيران ) كان مواجهة للمفكرين الإيرانين الداعين للقومية الفارسية والعودة إليها والتخلي عن الإسلام
وكتاب ( الدوافع نحو المادية ) كان لمواجهة هجمة  الأفكار الماركسية  التي إستهدفت المجتمعات الإسلامية والعربية وبالأخص طبقة الشباب
وكتاب ( الإنسان والمصير ) و ( العدل الإلهي )هو حصيلة دروس عقائدية في مواجهة  الشبهات التي طرحت مثل القضاء والقدر وغيرها
واللائحة تطول فذكر آثاره يحتاج مجالاً كبير لا يتسع له موضوعنا وقد نُقل عن الإمام الخميني أنه أوصى بقراءة كتب الشهيد المطهري
وبعد إستشهاد أية الله مصطفى الخميني ودخول الثورة الإسلامية مرحلة جديدة خطيرة كثف الشيخ مرتضى نشاطه وكان همه الأساسي الحفاظ على الثورة من الإستغلال من قبل التيارات المناوئة للإسلام وربط الجماهير بقيادة الإمام وهذا ما جعل هذه التيارات تحقد حقداً كبيراً على الشيخ لأنه كان يمثل عقبة امام طموحاتهم وبعد زيارة الشيخ للإمام في باريس كلفه بتشكيل مجلس الثورة الإسلامية  وعندما أعلنت حكزمة شاهبور بختيار منع عودة الإمام تصدر صفوف العلماء الذين غعتصموا في جامعة طهران وبعد إنتصار الثورة بقي الشيخ المستشار المقرب للإمام وقد ساهم الأستاذ الشهيد بتأسيس حرس الثورة الإسلامية  وقد تعرض خلال كل هذه الفترة إلى الكثير من الإفتراءات والإتهامات الباطلة  فوقف بوجه كل هذا بثبات المؤمن المتيقن  وإستمر على هذا المنوال من العطاء حتى اواخر حياته  التي ختمها بشهادة  أكرمه الله بها
هذا غيض من فيض سيرة هذا العظيم  أهديها لروحه الطاهرة والمباركة  برجاء ان يتقبلها مني وهذا  اقل الواجب عليّ لما له من تأثير على حياتي من خلال مؤلفاته وأختم بنصيحة من الأستاذ الشهيد افادتني كثيراً وانقلها لكم  وهي تتعلق بالأسلوب الصحيح للمطالعة
"  ... في المرة الأولى يقرا المرء الكتاب بهدف المتعة وفيها لا يستطيع أن يحكم على مطالبه ثم يطالعه ثانيةً فأقوى حافظة تحتاج إلى مطالعة الكتاب النافع مرتين متواليتين كحد أدنى وبعد ذلك يعمد إلى مناقشة وتحليل مطالبه وتصنيفها ويحفظها وفق هذا التصنيف في ذهنه ثم يسعى إلى إختيار كتاب ىخر حول الموضوع نفسه لمطالعته بالأسلوب نفسه ومن المهم تجنب الدخول في موضوع ثاني قبل أن يتضح الموضوع الأول بصورة كاملة ويُحفظ في الذهن ومن الخطأ أن يعمد المرء على نحو ملء الفراغ إلى مطالعة كتاب آخر حول موضوع آخر قبل أن يترسخ موضوع الكتاب الأول ومطالبه في الذهن ... أما  أن يطالع اليوم كتاباً تأريخياً وغداً كتاباً نفسانياً وبعده كتاباً دينياً فذلك يؤدي إلى خلطها جميعاً ويصبح ذهنه مخزناً غير مرتب تتبعثر فيه المعلومات "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق