الثلاثاء، 22 يناير 2013

الشيخ إبن معقل الحمصي





الشيخ إبن مَعقِل الحمصي
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
هناك اشخاص يمرّون في هذه الدنيا ويتركوا بصمتهم ولكنّ التاريخ لاينصفهم فيطوي ذكرهم ويُخفي دورهم ومن هؤلاء إبن معقل الحمصي أسأل الله تعالى أن اساهم ولو بشيء قليل في الإضاءة على هذه الشخصيات
من هو هذا الرجل ؟
هو عزّ الدين أبو العباس أحمد بن علي بن معقل بن ابي العلاء بن محمد بن معقل الأزدي الغساني المهلبي الحمصي
من كبار فقهاء الشيعة عاش في القرن السابع الهجري ولد في شهور بمدينة حمص سنة 567 هجري هاجر أجداده من قبيلة همذان من العراق وإنتشروا في تلك الأصقاع بعيد تسلم معاوية الحكم ونكوله عن تنفيذ معاهدة الصلح مع الإمام الحسن (ع) وخصوصاً البند الخامس الذي أمّن أصحاب علي وشيعته ومن المعروف إرتباط قبيلة همذان الوثيق بالإمام علي (ع)
يصف الذهبيّ إبن معقل فيقول :" كان وافر العقل غالياً في التشيع ديناً متزهداً كبير الرافضة "
ويصفه مؤرخ العراق إبن الفوطي :" من فضلاء العصر وعلماء وأدباء الدهر وشعرائه "
ويقول اليونيني عنه " كان شاعراً مقتدراً على النظم عالماً بفنون الأدب والأصول والفقه على راي الإمامية "
وهذه شهادات ثلاثة مؤرخين تُظهر لنا لمحات من مكانة إبن معقل خصوصاً قول الذهبي أنه كبير الرافضة مما يُستدل عليه لمن يعرف أسلوب الذهبي أن إبن معقل كان من أبرز فقهاء الشيعة 
كانت حمص في تلك الفترة تعيش تحت وطئة العناصر التركية المتمثلة بالزنكيين وبعدها بالأيوبيين الذين إنتهجوا سياسة التنكيل بالشيعة وفي ظل هذا يستحيل على طالب العلم العيش فإكتفى إبن معقل بتلقي اللغة العربية على الفقيه مهذب الدين أبي الفرج عبد الله بن اسعد الموصلي المعروف بإبن الدهان وشدّ الرحال وهو في الرابعة عشر من العمر إلى مدينة الحّلة التي كانت في ذلك الوقت أهم مركز علمي للشيعة وللإسف شهدت هذه الفترة من حياة إبن معقل تعتيماً لم يحدثنا التاريخ عن أساتذته وإن كان المظنون أنه تلقى العلم عند محمد بن إدريس ومحمد بن جعفر بن نُما اللذان كانا شيخا الحلة في وقتها وإرتحل الشيخ إبن معقل بعدها إلى بغداد وإنكبّ على دراسة النحو على شيخين من أشهر النحاة في عصرهما هما الوجيه الواسطي المبارك بن سعيد مدرس النحو في المدرسة النظامية وأبو البقاء العكبري عبد الله بن حسين  ثم قفل إبن معقل عائداً إلى الشام فنزل دمشق وهناك عمد إلى نظم كتابي ( الإيضاح والتكملة ) وعرضهما على الكندي شيخ العربية فإستحسنهما ثمّ قدّمه لحاكم دمشق المعظّم عيسى فأجازه بثلاثين ديناراً وخلعة ولكن الجو المذهبي الظاغط في دمشق جعله يؤثر الرحيل عنها ويختار العيش في مدينة بعلبك التي سيُكتب فيها لإبن معقل تأدية الدور الأبرز في حياته
ولابد من الإضاءة على الوضع الإجتماعي في بعلبك لفهم الدور الكبير الذي لعبه إبن معقل فقد عُرفت بعلبك في ذلك الوقت أنها كانت إحدى مراكز المذهب الحنبلي أما محيطها وسفوح جبالها فقد كان معموراً بالشيعة وقبيل وصول إبن معقل كانت حركة سكانية قد بدأت تشهدها المنطقة من السفوح إلى قلب المدينة فأثرت على تركيبة المدينة السكانية وتضاعف عدد الشيعة فيها وكان يحكم بعلبك وقتها الحاكم الأيوبي بهرام شاه الملقب بالملك الأمجد وعُرف بحنكته السياسية التي مكنته من الإحتفاظ بحكمه لنصف قرن تقريباً  وعُرف عنه شغفه بالثقافة وشؤونها مما جعله يُقرب الشيخ إبن معقل سياسياً من أجل أن يكون همزة الوصل مع الجماعة الشيعية المتكاثرة وهنا وقع على كاهل الشيخ مسؤولية النهوض بالتشيع والمحافظة على تواجده في بعلبك وهذا إتقن الشيخ عمله في ظل منطقة تعيش أجواء مذهبية قاسية حتى أن المؤرخ الذهبي يقول :" وعاش به رافضة تلك الناحية " ويقول الصفدي :" وإنتفع به (أي ابن معقل ) رافضة تلك الناحية " وفي هذين القولين دلالة قوية على وصف التحول في بعلبك وأن الجماعة الشيعية عاشت فترة من الأمن والإرتياح وهذا يدل عليه أيضاً قول الذهبي أن " جماعة تخرجوا به في المذهب " أي ان في بعلبك وجدت مدرسة تُخرّج مشايخ في مذهب الإمامية وهذا مؤشر مهم على مدى وحجم النقلة النوعية التي خطاها التشيّع وقتها وعُرف منهم
الشيخ نجم الدين أحمد بن مُحسن المعروف بإبن ملّي الأنصاري
الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد المعاوي المعروف بإبن العقيب
وسنرى إنجازات إبن معقل تؤتي ثمارها في القرن التاسع حيث أصبح الحنابلة قلة في بعلبك ثم هجرتهم إلى دمشق فلم يبقى من ذكرهم في بعلبك سوى مسجد المدينة المعروف بإسم مسجد الحنابلة وحتى عصرنا هذا الغالب على مدينة بعلبك أصبح التشيّع
إستمر حكم الملك الأمجد حتى سنة 627 هجري واُنتزعت منه إمارته فآثر حينها الشيخ إبن معقل مغادرتها فإنتقل فترة من الزمن إلى مدينة حماة ثم عاد إلى بعلبك فإنقطع عن الناس وتزّهد إلى أن توفي في دمشق ليلة الخميس في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 644 هجري ودُفن في سفح جبل قاسيون
من أهم آثاره المعروفة
-        الروضة
-        ديوان إبن معقل
-        المآخذ على شرّاح ديوان ابي الطيب المتنبي (مخطوط )
-        مختصر الأنساب
-        نظم الإيضاح والتكملة  
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أسالكم الدعاء والفاتحة لروح شيخنا الجليل رحمه الله
ملاحظة : إعتمدت في هذه الترجمة على مؤلفات المحقق والمؤرخ الشيخ جعفر المهاجر
كفعمي العاملي
        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق