الثلاثاء، 22 يناير 2013

المنهزمون يدينون المجاهدين ويصنعون الطغاة ويمكنون الجائرين



المنهزمون يدينون المجاهدين ويصنعون الطغاة ويمكنون الجائرين
 الشيخ نمر النمر

لقد مارس الطغاة على امتداد التاريخ وفي كل آن من الزمان، وعلى امتداد الجغرافيا وفي كل حيز من المكان؛ لتكريس تسلطهم على البلاد والعباد، واستحواذهم على الثروات، واستعبادهم للناس؛ لقد مارسوا الترهيب بالسياط والحرمان و...، والترغيب بالمال والمنصب و...، والتجهيل باللهو واللعب و...، والتضليل الفكري بخلط المفاهيم، وتشويش الرؤى، وزعزعة النفوس، وترجيج المواقف و...، والتمزيق الاجتماعي بصنع الشقاق، وإشاعة النفاق و...، والتفريق العنصري بالتقريب والإحاطة للشرذمة، والتبعيد والإقصاء للبقية و...، ولقد استعان الطغاة لتحقيق مآربهم الشيطانية تلك على المال، وأشباه الرجال، والإعلام؛ فبالمال اُشتريت ضمائر أشباه الرجال ليتحولوا إلى أبواق للطاغي، ووعاظ للسلاطين؛ لأجل تثبيت حكم الطغاة، وتكريس سلطتهم، عبر التزييف الإعلامي للحقائق والوقائع، وتغييب عقول الناس، وتأليه أهوائهم، وتعطيل القدرة على التفكير فضلاً عن التمييز.. وجعل الناس يلهون في هوامش الحياة، ويلهثون وراء سرابها؛ حفاظاً على كرسي الطاغي، وعرش الجائر لِيُحْكِم قبضة الحكم، ويمسك بيد السلطة.

وكان أبرز أدوات الطاغي لبقائه على سدة الحكم
  1. الإعلام لتشويش الرؤى، وتزييف المواقف، وقلب المفاهيم، وتزوير الحقائق. وهذا السلاح الإعلامي يفتك بالحمقى والجهال من الناس. ولكنَّ المصلحون يتمكنون من إفشال هذا الإعلام الطاغوتي بيسر وسهولة عبر تشييد الإعلام الصادق، وبيان ونشر المعلومة الصحيحة، وإيصالها إلى أكبر شريحة من الناس؛ وبوصول المعلومة الصحيحة إلى الناس تتهاوى كل بيوت العنكبوت الإعلامية الهشَّة، وينكشف زيفها وكذبها وزورها، ويتبين ضعفها ووهنها وهشاشتها.
  2. البطش لإرهاب الناس، وإرعاب المجتمع، وتخويف المصلحين، وتدجين المجاهدين. وهذا سلاح البطش يفتك بالخوِّيفين والجبناء والمنهزمين من أولياء الشيطان. ولكنَّ المصلحون يتمكنون من إفشال هذا البطش بتزكية النفوس وترويضها؛ وهي عملية صعبة وكثيراً ما  تتعسر؛ ولا يستجيب إلى التزكية إلا فئة قليلة جداً؛ ولكنَّ هذه الفئة المؤمنة القليلة قادرة على الثبات والصمود والاستقامة والممانعة والمدافعة والمقاومة التي تكشف سوءة بطش الطاغي، وأن بطشه أوهن من بيت العنكبوت أمام إرادة المجاهدين، وعزيمة الشجعان، مما يلهم عموم المجتمع المؤمن روح الثقة بالنفس والإرادة والعزيمة والشجاعة والإقدام والتضحية لمواجهة البطش والترهيب. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  ﴾.
المنهزمون يصنعون الطغاة

إن البطش لا يُخِيف إلا أولياء الشيطان الذين يتبعون خطواته، ويسلكون منهجه، ويستسلمون لضعيف كيده. والمنهزمون هم الذين يصنعون ويُمَكِّنون الطاغي من ظلمه وبغيه وطغيانه وبطشه حين يتنازلون عن سيادتهم واستقلالهم، ويستسلمون له، ويتخذونه ربّاً من دون الله، ويقبلون العبودية له، أو حين يتخاذلون فيخذلون الحق والهدى الذي يعطيهم الكرامة والعزة، ويبسط لهم العدل والقسط، ويضع عنهم إصرَ الشهوات والهوى والجبت، وأغلالَ الظالم والجائر والطاغوت، ويمكن لهم حياة الأمن والسلام، وحين يرفضون إتباع الشرعة السماوية والمنهاج الرسالي الذي تنتهجه القيادة الربانية معتذرين بالوهم الذي هم نسجوه ومن ثم صدَّقوه؛ وهذا الوهم هو أن الطاغي -هو- مَنْ بِيَدِه أمْن البلاد، وتدبير رزق العباد، وأن الإيمان بمنهج الحق والهدى الذي تدعو إليه القيادات الربانية سيجعل الطاغي يسلب منَّا الأمن، ويقطع عنَّا الرزق؛ وكأن الأمن والرزق بيد الطاغي وليس بيد الله وأمره سبحانه وتعالى؛ فالخوف والرهبة من بطش الطاغي، وخوف الفقر والحرمان الاقتصادي من انتقام الطاغي يمنعهم من إتباع الهدى الذي يبشر به الرسل والأنبياء
http://smolt.myftp.org/images/prefix/a3.gifوالقيادات الربانية والمصلحون. وينسى ويغفل هؤلاء، أو يتناسون ويتغافلون أن الله هو الذي يمكَّن لهم الحياة الآمنة، وهو الذي يرزقهم، ويوسع عليهم من رزقه؛ ولو أن الله سلبهم الأمن، أو الرزق لما تمكن أحدٌ من الطغاة وغيرهم من كل المخلوقات أن يوفر الأمن أو الرزق لهم. فالأمن والرزق من الله؛ وهما بيده دون سواه. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.

وهناك طائفة من الناس لم يتبلد إحساسها، ولم يمت شعورها؛ فهي تملك الحس والشعور بالاضطهاد والظلم والطغيان الذي يقع عليها، وتؤمن بقيم الرسالة، وأن بها الخلاص من التمييز والأذى والذل، وتتمنى الكرامة والعدالة والحرية والأمن، ولكنها ليست مؤهلة لاستحقاق تلك القيم؛ لأن قلوبها أشْرِبَت بشيطان الخوف والترهيب والهزيمة؛ مما جعلها متقوقعة في دائرة الأماني، ولم تخرج منها إلى سعة ورحاب التطلعات التي تصاحبها وتلازمها الإرادة والعزيمة والسعي والتضحية؛ ولذلك بدل أن تنتقد ذاتها، وتقوم بمعالجة مرض الخوف والهزيمة الذي يعشعش في قلبها حتى تتمكن من  إصلاح واقعها تلقي باللوم على القيادة الربانية في عدم تغيير الواقع الفاسد.  يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾.

ولأن هذه الطائفة أشْرِب في قلبها الخوف والترهيب والهزيمة لم تؤدي مسؤولية الاستخلاف والتمكن في الأرض حينما تهاوى عرش فرعون الطاغي الذي قال أنه هو الربّ الأعلى، وزعم أنه لا يعلم بإله غيره؛ فأخذه الله نكال ذاك القول، وهذا الزعم؛ ورأوا بأم أعينهم أن بيته أوهن من بيت العنكبوت، ولم يعد هنالك الطاغي، وانطفأت نار البطش والترهيب والهزيمة التي نسجها الفراعنة؛ ولكنها لم تنطفئ من هذه القلوب الخائرة؛ ولذلك حينما أمروا أن يدخلوا فلسطين ليحرروها من الظلم والطغيان، ويتحملوا مسؤولية الحكم والاستخلاف والتمكن في الأرض المقدسة ارتدُّوا إلى ما أشْرِبَت عليه قلوبهم من الخوف والترهيب والهزيمة التي تحول بين الإنسان وبين قيم الإباء والرفض والممانعة والمدافعة والمقاومة للظلم والبغي والطغيان والبطش الذي لا ينبت ولا يقوى إلا في أرض القلوب المتخاذلة المنهزمة التي تمتنع عن نصرة القيادة الربانية، وتتركها فريسة لسيوف وسهام الطغاة؛ مما يقوي شوكة وشكيمة الظلمة والطغاة كما قال الإمام الحسين http://smolt.myftp.org/images/prefix/a2.gif﴿ فإن لم تنصرونا قوي عليكم الظلمة ﴾؛ وبعد ذلك يكون التيه في مستنقع الذل والجور والعبودية والبطش. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ  ﴾.

كلمات تجعل المؤمن للكفر أقرب منه للإيمان

قال الرسول
http://smolt.myftp.org/images/prefix/a1.gif:﴿ المرء بأصغريه قلبه ولسانه ﴾. إن كل إنسان يعرف حقيقة ذاته من خلال ما يعتقد وما يضمر قلبه؛ والآخرون يعرفون حقيقة ذاته من خلال ما يظهر على فلتات لسانه من لحن القول؛ والإنسان يملك الكلمة وهو مَلِكُها ما لم ينطق بها فإذا نطق بها في غير موضعها ملكته؛ ولذلك يكون الإنسان رهين كلماته التي لم يحسن نطقها والتعامل معها؛ وقد تُودي به كلمة لم يحسن التعامل معها في نار جهنم؛ بل إن أكثر الناس لم يُكَبُّوا في نار جهنم إلا بسب إطلاق العنان لألسنتهم أن تقول ما تشاء دون حسيب ولا رقيب كما قال رسول الله http://smolt.myftp.org/images/prefix/a1.gif: ﴿ وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم ﴾. فرُبَّ كلمة أخْرَجَت الإنسان من الجنة، وأدخلته النار؛ ورُبَّ كلمة أخرجت المؤمن من دائرة الإيمان، وأدخلته دائرة الكفر؛ لأن منطق المتقين والمجاهدين والشجعان الصدق والصواب، ومنطق المنافقين والمتخاذلين والمنهزمين الكذب والفحش؛ ومن أفحش الكلمات التي تبعد المؤمن من دائرة الإيمان، أو تخرجه منها، وتقربه إلى دائرة الكفر، أو تدخله فيها وإن تسمى وتعنون بالمؤمن الكلمات التي تُحَبِّط المؤمنين، وتنهاهم عن العمل الصالح الذي يتجسد في الممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد؛ والكلمات الأكثر فحشاً التي تجعل قلوب ناطقيها تُشَابِه قلوب الكفار هي الكلمات التي تنتن من ألسنة حداد لتسلق المجاهدين المخلصين، والمصلحين الصادقين، والقيادات الربانية، وتدينهم بعد اتهماهم بأنهم هم السبب في الاضطرابات الأمنية، والضيق الاقتصادي، والشقاق الاجتماعي، والأزمات المستعصية، والمشاكل المستشرية، وجراحات الأمهات، وأنين الثكالى، وموت وقتل الشهداء حينما أمروهم بالممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد.

حقاً إنها كلمات الفحش التي لا يمكن أن تنبت في قلب المؤمن الصادق بالإيمان حتى يحتاج إلى أن تخرج منه، وإنما منبتها قلوب الكفر؛ ولذلك لا يتفوه بإدانة القيادات الربانية، والمصلحين المخلصين، والمجاهدين الصادقين الذين تحملوا أعباء الممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد ضدَّ الظالمين والبغاة والجائرين والطغاة إلا المنافقين والمنهزمين الذين تشابهت قلوبهم بقلوب الكفار.

إن الله قد عرَّفنا في القرآن لَحْنَ القول الذي ينطق به المنافقون والمنهزمون؛ فهم بَدَلَ أن يدينوا الكفار والمعتدين على ظلمهم وعدوانهم على المؤمنين؛ قاموا بإساءة الظن برسول الله http://smolt.myftp.org/images/prefix/a1.gif، واتهموه بأنه هو الذي ألقى بالشهداء في تهلكة الموت والقتل؛ وقال المنافقون أيضاً لو أن المجاهدين خالفوا الرسول http://smolt.myftp.org/images/prefix/a1.gif، ولم يخرجوا للجهاد لما ماتوا وما قتلوا؛ فالرسول http://smolt.myftp.org/images/prefix/a1.gifهو الذي أهلكهم. وهكذا نشاهد اليوم المنهزمين الذين تشابهت قلوبهم بقلوب الكفار والمنافقين؛ فبَدَلَ أن يدينوا الطغاة؛ يقومون بإدانة القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين على تحملهم أعباء الممانعة والمدافعة والمقاومة للظلم والبغي والطغيان والبطش؛ ولكن هذه الكلمات ستتحول إلى حسرة في قلوبهم في الدنيا والآخرة لأن هذه الكلمات من شرعة ومنهاج الكفار وسلوكياتهم، ومَنْ يتفوه بها فهو مثلهم. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.

وهؤلاء المنهزمون يغمضون بصيرتهم حينما يشاهدون الخيرات من تنامي بساط الكرامة والعدالة والحرية والأمن والسعة في العيش التي ما كانت لتكون لولا مشيئة الله التي وفقت القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين لإباء ورفض وممانعة ومدافعة ومقاومة الظلم والبغي والطغيان والبطش والاستبداد؛ فالمنهزمون لا تسمح لهم قلوبهم المريضة أن يقروا بفضل القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين في هذه السعة من الكرامة والعدالة والحرية والأمن؛ وبالتالي تراجع الطاغي في ممارسة الذل، وتقلص قدرته على الظلم وانكماش إمكاناته الاستبدادية، وتحجم طاقته في العدوان والاضطرابات الأمنية؛ ولكنَّ هؤلاء المنهزمون متى ما شاهدوا ما يسيئهم من بطش الطغاة، وتخريب المفسدين، وظلم الظالمين، وجور الجائرين، وعدوان المعتدين؛ سارعوا باتهام وإدانة القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين؛ ونبحوا ونعقوا وجاهروا بالقول بأنها هي السبب في كل تلك المآسي والمشاكل والأزمات.  ولكنَّ الله يكشف سوءة هؤلاء المنهزمين؛ ببيان أنه لا يوجد شيء خارج عن القدرة الإلهية، وأن كل الخير والشر وفق السنة الإلهية من عمل الخيرات والصالحات، أو عمل الشر والسيئات؛ فكلها بما كسبت أيدي العباد، ويعفو عن الكثير. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا﴾.

فإذا كانت الأمور كلها وفق السنة الإلهية، وبما كسبت أيدي الناس؛ لكي يميز الله للمجتمع الصادقين من المنافقين؛ فيكشف الله الشجعان الذين يستجيبون للمصلحين الصادقين وينصرونهم؛ كما يكشف المنهزمين الذين هم بمنطقهم أقرب للكفر منهم للإيمان حينما يخذلون ويعارضون ويعترضون القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين، ويتهمونهم ويدينونهم ويحملونهم مسؤولية عمل وممارسات الطاغي من البطش والقتل والتعذيب، والفوضى والفساد، والاضطرابات الأمنية، والحرمان الاقتصادي، والتضييق المعيشي، وهكذا كل الأزمات والمشاكل والمآسي التي ما كانت لتكون لولا تسلط الظالم وبطش الطاغي. كما يؤكد الله سبحانه على حقيقة جلية وهي أن كل تلك الأزمات والمشاكل والمآسي يمارسها ويفعلها الطاغي ويسببها حتى ولو لم يكن هناك رفض وإباء وممانعة ومدافعة ومقاومة من قبل القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين؛ لأن هذه الوقائع من سلوكيات الطاغي، وسنة الحياة. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * ﴾.

إن هؤلاء المنهزمين يعلمون بل ويوقنون أن كل المشاكل والأزمات والمآسي سببها الطاغي؛ وليس القيادات الربانية، أو المصلحين الصادقين، أو المجاهدين المخلصين؛ ولكن مع ذلك يجحدون تلك الحقيقة التي يوقنون بها تبريراً لهزيمتهم وحزبيتهم وعصبيتهم واستكبارهم ومرض قلوبهم. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾.

إن المنهزمين يجحدون قيم الإباء والرفض والممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد لأنها تعرضهم لطريق ذات الشوكة الذي يمحص الله فيه المجاهدين الصادقين عن الجبناء المنافقين؛ وفي التمحيص والبلاء تتكشف سوءة المنهزمين وخور عزيمتهم؛ ولأن قيم الإباء والرفض والممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد ضدَّ الظالم والباغي والطاغي والمستبد تنسجم وتتوافق مع الفطرة البشرية النقية من الشوب والدَّرن فإن المنهزمين سيوجهون سهامهم المسمومة بالتهم المزيفة، وخناجرهم الغدَّارة بالإدانة وقول الزور إلى صدور القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين؛ مما تؤدي إلى حفر جروح عميقة في قلوب القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين؛ وفي ظل تلك التهم والإدانة يواسي الله قيادات الإصلاح، ويبين لهم أن عوي ونباح ونعيق أولئك المنهزمين ليس موجه ضدَّهم حقيقة؛ وإنما هو موجه إلى قيم الإباء والرفض والممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد والصدق والإخلاص والأمانة والعفة والكرامة والعدالة والحرية والسلام. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ﴾

وبعد أن بين الله سبحانه وتعالى الخلفية والمنطلق الحقيقي لعوي ونباح ونعيق المنهزمين يطلب من القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين تضميد جروحهم، وعدم التأثر السلبي، أو الاكتراث بالتهم والإدانات وكلمات النفاق والكفر التي يسارع إلى بثها المنهزمون؛ لأنها لن تضر القيم في شيء؛ والمنهزمون هم مَنْ سيتضررون بها؛ ويبين الله حقيقة أخرى وهي أن المنهزمين الذين -بهزيمتهم ونفاقهم واتهامهم وإدانتهم القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين،-اعتلوا المكانة الاجتماعية، أو المناصب الرسمية، أو حصلوا على الثراء المادي، أو ما شابه من مظاهر غرور الحياة الدنيا؛ لم يكن ما وصلوا إليه محبة ورضاً من الله لهم وعنهم؛ وإنما ليزدادوا إثماً وبعداً عن الله، ولأن الله سنَّ سنة الإباء والرفض والممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد ضد الظلم والبغي والطغيان والبطش والاستبداد ليميز للناس مَنْ هم أصحاب القلوب الخبيثة بالهزيمة والكذب والنفاق والتثبيط ؟ ومَنْ هم أصحاب القلوب الطيبة بالشجاعة والصدق والإيمان والعزيمة التي تتجسد في الإباء والرفض والممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد؟ ولكي يعرف الناس بوضوح وجلاء أهل الحق، وقيم الوحي والعقل، وعبَّاد الله؛ ويعرفوا أهل الباطل، وخطوات الشيطان والهوى، وعبدة الطاغوت. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ  ﴾.

إن التفكير الاستهزائي المِعْوَج للمنهزمين المنافقين يتحول يوم القيامة لأخسر الأعمال، كما يحبط ويتهاوى عملهم ويتحول إلى هباء. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾ ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾.

والخلاصة

أن المنهزمين المنافقين يجحدون قيم السماء التي تدعو إلى الإباء والرفض والممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد التي لا يتمكن من تحمل عبء مسؤوليتها إلا الشجعان. والمنهزمون المنافقون غير مؤهلين للقيام بها بسبب المرض الذي أحاط بقلوبهم التي امتلأت هزيمةً وكذباً ونفاقاً؛ ولذلك هم يجحدون بهذه القيم؛ ولكنهم أجبن من أن يعلنوا جحودها؛ ولذلك يبررون خوفهم وهزيمتهم عبر اتهام وإدانة القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين؛ وبذلك يصنعون الطغاة الجبابرة والمستبدين، ويمكنون البغاة والظلمة والجائرين من التسلط على البلاد والعباد، وليعيثوا في الأرض الفساد، ويكثرون من سفك الدماء، والمنهزمون المنافقون يشاركون الطاغي في جلد الضحايا والمضطهدين والمستضعفين، فهم أعوان للظالم الطاغي بالمجَّان؛ بل إن المنهزمين المنافقين يقومون بممارسة دور الطاغي بدلاً عنه ويَكْفُونَه المؤونة حينما يمارسون - بالسالب والمقلوب بمعرفة ووعي أو من دون شعور ولا إحساس منهم - الإباء والرفض والممانعة والمدافعة والمقاومة والجهاد الشيطاني ضدَّ قيم السماء ومبادئ الرسالة ويكرسون جهدهم ووقتهم وطاقاتهم وقدراتهم في محاربة وتسقيط وتضعيف القيادات الربانية، والمصلحين الصادقين، والمجاهدين المخلصين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق